لم يمض شهران على أول لقاء جمع أوتارا موريغامانيكم ودمودرن سوبرومانيان في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حتى شرعت أسرتاهما في التخطيط لعرسهما.
وهكذا جرى الاتفاق على عقد خطبتهما في مطلع مارس/آذار، على أن يُتما الزواج في يونيو/حزيران التالي.
يقيم الاثنان في مدينة تشيناي بولاية تاميل نادو جنوبي الهند. وبحسب الاتفاقات الأولية التي أُبرمت بين الأسرتين، كان العرس سيشمل عدة مراحل، تبدأ في مدينة كويمباتور على بُعد 500 كيلومتر تقريبا من تشيناي، بحضور 250 من الأقارب والأصدقاء المقربين، على أن يعقب ذلك حفل استقبال يحضره 500 شخص، ثم سهرة في تشيناي نفسها، تضم 750 مدعوا.
الخطبة عُقِدَت دون مشكلات. لكن بعد أقل من أسبوع من إجرائها، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن (كوفيد – 19) صار وباءً عالميا، وفُرِضَ نظام إغلاق عام في الهند.
وتقول موريغامانيكم (30 عاما)، التي تدير مشروعا لبيع مستحضرات معدة منزليا للعناية بالشعر والبشرة، إنها وسوبرومانيان، باتا يفكران بمرور الوقت، إما في إرجاء الزفاف أو إتمامه بأي شكل من الأشكال، “ثم سرعان ما شعرنا بأننا لسنا واثقيْن من الموعد، الذي يمكن أن تتحسن فيه الأوضاع”.
لذا قرر الاثنان المضي قدما على طريق إتمام الزفاف في السابع من يونيو/حزيران في معبد صغير بتشيناي، بحضور 15 شخصا، من أفراد الأسرة المقربين فقط. لم يكن هذا ما توقعته العروس، التي تقول إن حلمها الوحيد، كان يتمثل في “أن يحضر أصدقائي وأفراد أسرتي حفل زفافي، لمشاركتي فرحتي وممازحتي ومساعدتي، على أن أكون على أهبة الاستعداد (لهذه اللحظات). لكن الآن، صارت لدينا قصة نرويها لأبنائنا وأحفادنا. لا أشعر على الإطلاق بالندم، على إقامة عرس لم يحضره سوى المقربين”.
الآن بعدما أدى الوباء إلى توقف الأعراس الهندية الباذخة هذه، اضطر المقبلون على الزواج، إلى العمل على أن يجعلوا أعراسهم التي جرت بشكل محدود بسبب قيود (كوفيد – 19)، أحداثا لا تُنسى. لكن ثمة من يتساءل، عما إذا كان من الممكن أن تستمر عادة إقامة الأعراس المحدودة هذه، أم أن إغراء الاحتفالات الكبيرة التي تشهدها الهند بمناسبة إتمام الزواج، أقوى من أن يُقاوم؟
وبوجه عام، يتوخى المسؤولون عن تنظيم الأعراس في الهند، مراعاة تحقيق توازن دقيق ما بين رغبات العروسين وأحلام أسرتيهما، وتوقعات حاضري العرس كذلك. كما يُنظر إلى هذه الحفلات غالبا، باعتبارها مناسبات تُستعرض فيها “المكانة الاجتماعية”، التي تحظى بها هذه الأسرة أو تلك.
القاعدة في هذا الشأن على أي حال، تتمثل على الأغلب في إقامة حفلات كبيرة بمناسبة العرس. وتُقيّم الأسر المختلفة، بناء على مدى قدرتها، على استضافة عدد أكبر من المدعوين. فقوائم هؤلاء تشمل غالبا المعارف والأقارب البعيدين.
ويقول العاملون في مجال تنظيم تلك المناسبات إن الميزانية المرصودة لحفل متواضع تتراوح ما بين ستة آلاف و13 آلاف دولار. أما الاحتفال الباذخ قليلا، فيُرصد له ما يتراوح ما بين 41 و80 ألفاً، فيما تبلغ تكاليف الاحتفالات الباذخة للغاية، مبالغ تبدأ من نحو مئة ألف دولار، وتصل إلى مليون دولار.
ونظرا إلى أن المجتمع الهندي ينقسم بشكل حاد إلى طبقات وطوائف اجتماعية مختلفة، فإن شكل العرس المتوقع، يختلف ما بين شريحة مجتمعية وأخرى. وبشكل عام، يعكف الآباء والأمهات على الادخار لعقود طويلة، بل ويستدينون غالبا، من أجل الوفاء بما يعتبرونه المسؤولية الأكبر، التي يتحملونها حيال أبنائهم، خاصة الفتيات.
ولعل متابعي مسلسل “مَيد إن هيفين” (صُنِعَ في الجنة)، الذي بثته خدمة أمازون مؤخرا، يتذكرون الحلقة التي تناولت أحد هذه الأعراس الساحرة. وبحسب الأحداث، لم يخبر الأب ابنته بأنه حصل على قرض مصرفي لإقامة عرسها، وتحقيق حلمها، في أن تحظى بـ “احتفال كامل الأوصاف”.
ويمكن القول إن فكرة وجود صلة بين القدرة على إقامة عرس كبير والتمتع بمكانة اجتماعية رفيعة، راسخة في أذهان الهنود، بل إنها تتعزز باستمرار، بفعل جهود التسويق، التي تبذلها الشركات المعنية بتقديم الخدمات المرتبطة بالأعراس.
وتقول عالمة الاجتماع باتريشيا أوبيروي إن حفلات الزفاف في الهند، تشكل المناسبة التي يظهر فيها أكثر من غيرها “الاستهلاك الجلي الواضح والهدر الجلي الواضح أيضا”، وذلك في ضوء تحليلات، تشير إلى أن الأسرة الهندية العادية، تنفق 20 في المئة من مدخراتها المتراكمة على عرس أحد أبنائها.
وفي ظل إقامة نحو 10 ملايين عرس سنويا في الهند، يعتقد على نطاق واسع أن حجم الصناعة الخاصة بإقامة حفلات الزفاف، يتراوح في كل عام ما بين 40 مليار دولار إلى 50 مليارا، ولا يتجاوزه في هذا الشأن عالميا، سوى نظيره في الولايات المتحدة.
ورغم المحاولات المتكررة لكبح جماح ظاهرة إقامة الأعراس الباذخة تلك في الهند، فلا يزال نطاقها والإنفاق عليها يزيدان عاما بعد الآخر.
ويقول بارتيب تياغراجين، الرئيس التنفيذي لـ “ويدينغ سوترا”، وهو موقع إلكتروني يحظى بشعبية كبيرة ويشرف على تنظيم الأعراس في الهند، إنه “حتى وقت مبكر من العام الجاري، كان السؤال الذي يراود المرء دائما ما يتمحور حول مدى ضخامة حفل العرس (الذي دُعي لحضوره). كان الأمر أشبه بسباق. فالحفل الضخم يتلوه آخر أكثر ضخامة”، خاصة بين الأسر ذات الدخل المرتفع.
لكن القيود التي فُرِضَت بسبب الوباء، وأدت بين عشية وضحاها، إلى توقف صناعة مزدهرة، كتلك المرتبطة بإقامة الأعراس، مثلّت نعمة بالنسبة للبعض. فراسيكا كشيرساغار وأجينكيا ميهر، اللذان يعملان مدرسيْن لليوغا في مدينة مومباي الهندية، لم يرغبا من الأصل، في إقامة عرس كبير. لكنهما ككثير من أقرانهما المقبلين على الزواج، تخليا عن رغبتهما هذه، لإرضاء الأهل.
وبعدما اختارا أحد أيام مارس/آذار الماضي موعدا لإقامة العرس، في مكان يمكن أن يستوعب ما يصل إلى 700 مدعو، أجبرهما (كوفيد – 19)، على إلغاء كل هذه الترتيبات. وعندما جرى تخفيف القيود قليلا بعد ثلاثة أشهر، قررا إقامة حفل صغير بحضور 25 شخصا لا أكثر.
وقالت كشيرساغار (29 عاما): “نلنا ما أردنا في نهاية المطاف”. فالحفل لم يكلفهما سوى 20 في المئة من الميزانية الأصلية التي كانا قد رصداها له، ويأملان حاليا في أن يساعدهما ما ادخراه، وهما يبدآن حياتهما الجديدة بعد الزواج.
وتقول العروس: “كنا دوما نريد قضاء بضعة أشهر، في السفر في شتى أنحاء الهند وحول العالم أيضا، لتعليم اليوغا. نأمل في أن نستخدم الأموال المُدخرة لهذا الغرض”.
ورأى آخرون أن إقامة عرس محدود، أمر عملي ويتوافق مع ظروفهم. ويمكن أن نضرب مثالا في هذا الصدد، بحالة الطبيبة شاردا راو المقيمة في مومباي، التي تعيش ابنتها حاليا في الولايات المتحدة، ويقيم خطيب الابنة في سنغافورة. ويتعين إتمام زواجهما رسميا، قبل أن يتسنى للابنة الحصول على تأشيرة لدخول سنغافورة، للعيش مع زوجها.
وتقول الطبيبة راو: “لا توجد نقطة (واضحة) ينتهي فيها الوباء، وليس من العدل أن نُبقي حياتهما معلقة. نحن أسرة بسيطة، لم نطمح قط من قبل في أن نقيم عرسا كبيرا”. لكن الاستقرار على إقامة عرس محدود في حديقة أحد فنادق مومباي في يناير/كانون الثاني المقبل، لم يغير الميزانية التي كانت الأسرة تخصصها للهدايا المرتبطة بالحفل. فمن المزمع إرسال هذه الهدايا للأقارب، سواء كان سيتسنى لهم حضور الحفل أم لا.
فضلا عن ذلك، هناك مؤشرات تفيد بأن من يقيمون أعراسا في ظل الظروف الحالية، يحاولون إظهار مدى كرم الضيافة الذي يتحلون به بطرق مبتكرة، بدلا من أن تكتسي كل تفاصيل العرس بطابع متقشف.
وتشير سيجيل ديشباندي، مؤسسة شركة متخصصة في تنظيم الأعراس تركز على استخدام مواد صديقة للبيئة، إلى تفضيل البعض “تقديم وجبات الغداء على الطاولات للمدعوين، بدلا من اللجوء لفكرة البوفيه”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نظمت شركة ديشباندي، حفل زفاف جرى فيه إرسال طرود تحتوي على وجبات غذائية للأقارب والأصدقاء، الذين لم يتسن لهم حضوره، بسبب القيود المفروض جراء تفشي (كوفيد – 19).
ورغم أن عددا أكبر من الأشخاص سيضطرون خلال الشهور القليلة المقبلة لتنظيم أعراس أصغر، بسبب استمرار الظروف المترتبة على انتشار وباء كورونا، من غير الواضح ما إذا كان هذا التوجه سيتحول إلى تقليد جديد من تقاليد الأعراس في الهند أم لا.
ويُعزى ذلك جزئيا، كما يشير بارول بانداري، الأستاذ المشارك المتخصص في علم الاجتماع في جامعة جيندل غلوبال الهندية، إلى أن الزيجات في الهند، تشكل أمرا راسخا بقوة في بنية علاقات القرابة والنسب.
ويضيف: “تُبقي الأسر المختلفة على تواصلها بشكل مستمر، مع من يمتون لها بصلة قرابة بعيدة ومع من يرتبطون معها بأواصر نسب كذلك. ويحدث ذلك ليس فقط في أوقات الأعراس، وإنما أيضا في الطقوس والاحتفالات الدينية.
ومن هذا المنطلق، تشكل الأسرة بكل أفرادها – بغض النظر عن صلات القرابة البعيدة أو القريبة – جزءا مهما من نسيج المجتمع الهندي، وبالتالي فمن المنطقي أن يكونوا من بين الحاضرين في مناسبة تقليدية مهمة مثل الزواج”.
ويعرب تياغراجين، الرئيس التنفيذي لـ “ويدينغ سوترا”، عن اعتقاده بأن مفهوم إقامة عرس ضخم، راسخ بدوره بقوة في ثنايا الثقافة الهندية، قائلا “الأعراس الكبيرة جزء أصيل من حمضِنا النووي. فهي احتفالات خاصة، وجزء من صناعة السعادة، وستعود مرة أخرى”. لكنه يعتقد أن ذلك الأمر قد يستغرق عاما أو عاميْن.
وفي واقع الأمر، تفيد المعطيات المتوافرة بعد تسعة شهور من اجتياح الوباء للعالم، بأن هناك اهتماما بالعودة لإقامة مثل هذه الاحتفالات الكبيرة. فقاعات الحفلات في الفنادق الهندية ذات النجوم الخمس، شهدت قفزة في الإقبال على إجراء حجوزات لها، خلال شهريْ نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول.
لكن يتعين على الشركات المُنظمة للأعراس الآن أن تكون مُبتَكِرة قليلا، وهو ما تتحدث عنه إكتا ساغل لولا، التي تعمل في هذا المجال. فقد طلب منها راغبون في تنظيم حفل زفاف سيُقام قريبا، أن يجري فحص المدعوين قبل الحفل بيومين، للتأكد من خلوهم من فيروس كورونا المستجد. ولذا اتفقت لولا مع أحد المختبرات الطبية، لإجراء هذا الفحص.
وتقول : “لا تتماشى التجمعات في المناسبات الاجتماعية المختلفة، مع (الالتزام) بقواعد التباعد الاجتماعي، مهما حاولت جاهدا. ولذلك، نتخذ احتياطاتنا بشكل مسبق”.
ومن بين أنواع الأعراس، التي تعاود الانتعاش ببطء في الوقت الحالي، حفلات الزفاف التي تُقام في مناطق سياحية خارج البلاد، والتي كانت قد باتت في طي النسيان تقريبا، طيلة الشهور القليلة الماضية.
وتقول ساغل لولا: “يجري الآن استكشاف بقاع جديدة، لإقامة مثل هذه الأعراس فيها، من قبرص ومالطا وصولا إلى فيتنام”.
والآن وبعدما أصبحت أعداد المدعوين أقل، بات أصحاب الأعراس يركزون – كما تقول ساغل لولا – على منح ضيوفهم الفرصة لمعايشة تجارب أكثر ثراءً، خلال حضورهم مناسباتهم السعيدة هذه. ولذا فبدلا من “التوجه – مثلا – إلى مقصد يحظى بالشعبية للراغبين في إقامة أعراسهم فيه، مثل العاصمة البرتغالية لشبونة، بدأ الناس يستكشفون أماكن أخرى، مثل منطقتيْ شينترا والغارف، الواقعتيْن في البرتغال أيضا، والتي يمكن لأصحاب العرس تأجير قلعة كاملة في أي منهما”، لإقامة الحفل فيها.
وبجانب هذا وذاك، أصبحت دول مثل سويسرا مدرجة على قائمة الخيارات المتاحة لإقامة العرس فيها. ففي الماضي، لم يكن هذا البلد يستضيف أعراسا ضخمة، نظرا لأن الأماكن المهيأة لذلك فيه، لا تتسع لأعداد كبيرة بشكل عام. لكن هذا الوضع تغير، في ظل القيود، التي أدت لتقليص عدد حاضري هذه المناسبات.
وتشير ساغل لولا، إلى أن تقلص عدد المدعوين، أدى إلى أن يصبح بوسع أصحاب العرس، الحصول على حق استخدام المكان بأكمله، وجعل الحفل “ذكرى لا تُنسى، بالنسبة للأشخاص القلائل” الحاضرين فيه.
أما برامود لوناوت، الذي يعمل في تنظيم الأعراس ويتخذ من مدينة كلكتا الهندية مقرا لعمله، فينهمك حاليا في الإعداد لتنظيم عرس في البحرين. ويقول إن أصحاب هذا العرس، لا يتخوفون كثيرا من مواجهة أي مخاطر صحية خلال توجههم إلى هذا البلد الخليجي، نظرا لأنهم يخططون للسفر على متن طائرات خاصة “لا في إطار رحلات طيران تجارية”.
في نهاية المطاف، يُظهر رسوخ تقاليد الأعراس في الثقافة الهندية، أن بعض التقاليد والعادات غير قابلة للتغيير، رغم حقيقة أن وباء كورونا، غيّر بالفعل كثيرا من تفاصيل حياتنا.
ورغم أن أصحاب مثل هذه الفعاليات صاروا مجبرين على التفكير خارج الصندوق بشأنها بسبب الوباء، فإن بعض الطقوس، تبدو ببساطة أكثر قوة، من التحديات التي تترتب على القيام بها.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife
شاهد أيضاً
تعالج الزهايمر وضعف الذاكرة.. عشبة رخيصة
هناك بعض الاعشاب التي كانت تستخدم منذ قديم الزمان في الطب البديل حيث تقوم بدور …