د. عمر محمد سعيد
مما دعاني لكتابة هذا المقال الحديث الانشائي من اصحاب الاختصاص حول هذه المؤتمرات في القنوات المحلية و العربية دون مراعاة مخاطبة صاحب المصلحة الحقيقية المواطن.
بدأت مقالاتي في الفترة السابقة مركزاً على الموارد الذاتية للوطن، و لكن أحياناً تجد نفسك مجبراً على أن تكتب في أحداث الساعة التي تهم جماهير شعبنا السوداني.
أنا مع كل المتفائلين بمستقبل السودان الواعد لإمكانياته المهولة، و لكن يقل تفاؤلي عندما تتجه حكومتنا للخارج بحثاً للخلاص من أزمتها الإقتصادية. فالمؤتمرات الثلاث التي عُقدت في الفترة القريبة الفائتة من أجل سودان الثورة و كنا نعتقد ذلك ، فالمؤتمر الأول كان برعاية سعودية لرفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للارهاب، و المؤتمر الثاني برعاية ألمانية لأصدقاء السودان و كان عنوانه دعم السودان اقتصادياً وسياسياً، ثم مؤتمر باريس في 17 مايو 2021 لأعفاء جزء من الديون و تدفق الاستثمارت الأجنبيه و الدعم الإقتصادي.
و سوف احاول في هذا المقال أن ابسط للمواطن العادي الذي يهمه بالدرجه الأولى مخرجات هذه المؤتمرات، و احرص ايضاً على الشفافية التي يفتقدها الجهازالتنفيذي للفترة الانتقالية و كما تعلمون أن الشفافية هي أساس الثقة ما بين الحاكم و المحكوم.
في البدء دعونا نقوم بتبسيط بعض المصطلحات الاقتصادية و السياسية و التي يستخدمها الأكاديمي و السياسي و الاقتصادي عندما تستضيفهم بعض القنوات المحلية و العربية.
(HIPC) highly indebted poor countries – مبادرة الهيبيك
هذا المصطلح يعني الدول الفقيرة المثقلة بالديون الناتجة عن الفساد لحكام هذه الدول لأكثر من نصف قرن و أغلبها دول افريقية و من ضمنها السودان، و بالتحديد على مستوى العالم 44 دولة منها 33 دولة افريقية.
(Bridge loan)– القرض التجسيري
هذا القرض تدفعه أي دولة اوروبية أو امريكا أو عربية خليجية لتسوية متأخرات دين دولة فقيرة للبنك الدولي او صندوق النقد الدولي لكي تكون هذه الدولة الفقيرة مؤهلة لأن يدفع ليها البنك الدولي و صندوق النقد الدولي قرض جديد. و هو في حقيقته جسر تعبر به الدولة الفقيرة للضفة الأخرى من النهر و ينسحب الجسر مباشرة؛ لأن المبلغ المدفوع لتسوية متأخرات دين الدولة الفقيرة هو من مال دافع الضريبة في الدولة التي تقدمت بمد الجسر للضفة الأخرى وعادة ما يرجع هذا القرض للدولة التي قامت بسداد المديونية خلال يومين لخزينتها مرة أخرى، و هذا جانب اجرائي فقط تتطلبه قوانين البنك الدولي و صندوق النقد الدولي.
و سوف اركز على الديون باعتبارها عائقاً للتنمية.
لقد وافق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مبدئياً على تسوية بعض و ليس كل الديون بعد أن تم تجسير جزء من الدين على السودان من امريكا حيث دفعت ما يقارب 1.2 مليار دولار و تم سحبه مباشرة لخزينة الدولة الأمريكية. و هذه التسوية بمعنى آخر تعني تخفيف أعباء الديون على السودان بموجب مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، و لكن هنالك ثمن على السودان أن يدفعه أو بالأحرى يدفعه الشعب السوداني بأن تستمر الحكومه في تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي و البنك الدولي على رفع الدعم عن كل السلع المرتبطه ارتباطاً مباشراً بالمواطن ( الوقود، الطاقة، الخبز، تحرير سعر الصرف، و اخيراً كما علمنا من بعض المصادر الغاز).
و هذه الشروط المجحفة يراقب تنفيذها فريق من الموظفين من صندوق النقد الدولي، و للأسف الشديد و الذي يدعو للدهشه أن قيادة صندوق النقد الدولي و البنك الدولي اعترفا بأن السودان قد نفذ شروطهما في فترة زمنية قصيرة فاجأت القائمين على أمر البنكين المشؤومين. و هذا هو الثمن الاقتصادي و الذي لم يقف عند ذلك فحسب و انما امتد إلى أن يدفع السودان التعويضات للعائلات الامريكية في تفجير سفارتي امريكا في كينيا و تنزانيا و المدمره كول.
و لم يكن المؤتمر الأول الذي انعقد بقيادة السعودية هو السبب في رفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للارهاب و انما الثمن هو ما دفعناه كتعويضات لهذه العائلات الامريكية. و الجميع يعلم أنه ليس لسودان الثورة أي علاقه بتلك التفجيرات .
أما الثمن السياسي فهو التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني.
و هنالك شروط أخرى على السودان ان يلتزم بها و لا اعرف لها وصفاً -غير الارتهان و الاذلال- و هي:
– ان يوافق السودان على مراقبة ادائه الاقتصادي و السياسي من خلال فريق عمل تابع لصندوق النقد الدولي على الأقل لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد اذا اقتضى الامر.
– عليه أن يقوم بتسوية مديونيته لأطراف اخرى كدول نادي باريس، الديون الحكومية، أو الديون من البنوك التجارية الموزعة في أنحاء العالم و ديون القطاع الخاص.
– الاستمرار في نهج الخصخصة و تخفيض الأجور و تحرير السوق بالكامل.
و المبكي و المحزن يرى صندوق النقد الدولي و البنك الدولي بأن هذه السياسيات سوف تقلل من حدة الفقر و تنقل الاقتصاد إلى وضع افضل !!!!
و علينا جميعاً كشعب أن نفهم بأن ما تم في مؤتمر باريس و ما تمخض عنه من شروط و قرارات لا تمكن السودان من الاستفادة من قروض البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي إلا بعد عام حيث من المقرر أن تُلغى بعض من ديونه بعد عام كامل و سيظل السودان يدفع في الديون و فوائد خدمتها. و لا بأس من ذلك بأن يتم إلغاء جزء من ديون السودان ليتعافى اقتصادنا بشكل طفيف يجعلنا قادرين على تنفيذ برنامج الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية، البرنامج الاقتصادي الثلاثي الاسعافي المقدم من (قوى اعلان الحرية و التغيير) و تمت الإشاره إليه في الوثيقة الدستورية و تم وضعه في منضدة رئيس الوزراء. و يعلم الشعب السوداني بأن برنامج الثورة قد وضع جانباً و اذا لم يتراجع الطاقم الاقتصادي لدولة رئيس الوزراء عن سياساته الاقتصادية المبنية بالاساس على الخارج (منح ، و مساعدات، و قروض) فالأزمة الاقتصادية سوف تزداد حدة و المواطن قد صبر كثيراً و ربط الحجارة على بطنه صامداً حارساً لثورته التي مهرها الشباب بالدماء الذكية، لن ترضى بديلا غير تطبيق برنامجها لتتم الاستفادة القصوى من الاعفاء الجزئي للديون و القروض و الاستثمارات التي وعد بها مؤتمر باريس.
فالوضع الاقتصادي لا يحتمل غير برنامج الثورة للأسباب الآتية و التي يجهلها أو يتغابى عنها الطاقم الاقتصادي الذي يقود الاقتصاد و هي :
– الوضع الاقتصادي العالمي غير مبشر حيث تؤكد كثير من التقارير الاقتصادية و خصوصاً من اصحاب القرار الاقتصادي العالمي و المؤسسات العالمية ذات الصلة و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي بأن الوضع الاقتصادي العالمي في حالة انكماش و هذا بالتأكيد له انعكاساته على الدول الفقيرة و خصوصا الدول المثقلة بالديون.
فجائحة فيروس كورونا و التي اثرت في الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق و تبعاً لذلك سوف تتأثر الدول الفقيرة و منها السودان، حيث تزداد مديونيتها و تظل تدفع في الدين و خدمته.
و السؤال هل الدول الفقيرة قادرة على دفع الدين و خدمته؟
أشك في ذلك، و حتى اذا تم تأجيل سداد الدين يعني ذلك أن مدفوعات سداد الدين ستظل قائمة.
و لا زالت جائحة كورونا تهدد الاقتصاد العالمي تهديداً مباشراً؛ لأن الفيروس قابل للتطور و التحور و لا تزال اللقاحات التي تمت صناعتها و توزيعها على العالم تجد تقاطعات كثيرة بين العلماء في مختلف انحاء العالم على مدى فعاليتها.
هنالك ملاحظة جديرة بالاهتمام و على المواطن ان يكون على علم بها و على دولة رئيس الوزراء و جهازه التنفيذي أن تتسم معاملاته في هذه القضايا بالشفافية ليكون المواطن عالماً و عارفاً و مدركاً بخطوات الحكومة من اجل إعفاء جزء من الديون، حيث الديون التي تعالج من خلال مبادرة الهيبيك على السودان تعالج فقط قروض البنك الدولي و صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الافريقي و مجموعة قروض نادي باريس و لكنها لا تشمل ديون السودان من الصين أو من الدول الغير أعضاء لنادي باريس و قروض القطاع الخاص والبنوك التجارية.
و المعروف أن الصين هي الدولة التي أقرضت السودان في فترة الثلاثين عاماً الماضية مبالغ ضخمة، بالتالي على الجهاز التنفيذي ممثلاً في رئيسه و وزير ماليته و طاقمه الإقتصادي التفاوض مع الصين حول ديونها على السودان. وبالطبع إن كانت هنالك مفاوضات لابد لها من ثمن سياسي واقتصادي يجب علينا أن نعلمه و نعرفه بعد التفاوض مع الصين.
على الحكومة أن تكون حريصة على اطلاع شعبها على حقيقة ديونها العالمية، و نحن نعلم بأن ليس لها ناقة ولا جمل في تلك الديون و لكن في النهاية تقع على عاتق شعبنا – خصماً على معاشه- و على تنمية وطنه و تطوره.
و كما ذكرت سابقا أن الديون المترتبة على السودان تعوق التنمية و بالتالي على الحكومة أن تكون قادرة على إدارة الديون بشكل استراتيجي شفاف بوجود ادارة رشيدة لتنفيذ العمليات المعقدة للديون، و هذه مهمة صعبة تحتاج إلى أجهزة بقدر المهمة، و ان لم تستطع إدارة مشكلة الديون بشكل علمي يتوافق مع متطلبات اقتصادنا الداخلي و يكون له اثر مباشر على قدرتنا للاستفادة من القروض و المساعدات التي سوف تأتي بعد إعفاء جزء مقدر من هذه الديون، لن تتمكن الحكومة من إحداث تنمية حقيقية و عليه سوف يكون النعام سهل الافتراس كما العنوان.
و لنا عودة ان شاء الله