رؤية لتوحيد القوى المدنية
كتب مالك ابوالحسن
مقدمة:
من المعروف أن القوى المدنية منقسمة على أساس طبيعة التغيير الذي تنشده، فهناك قوى مدنية سياسية تسعى لتغيير جذري وكلي وفوري وقوى تسعى لتغيير تدريجي وعلى المدى الطويل، وتهدف هذه الرؤية لتقديم أطروحة واليات لتوحيد قوى التحول التدريجي وقوى التغيير الجذري وكذلك أيضا تسعى هذه الرؤية للوصول (لتوافق ضرورة) مع القوى الحارسة للسودان القديم ، والوحدة المرجوة بين القوى المدنية تخاطب كل القوى سواء كانت القوى الداعية للتغيير الجذري والفوري والكامل او القوى الداعية للتغيير التدريجي ولاتنظر هذه الرؤية للوحدة فقط بأنها فقط وحدة بين لجان المقاومة والحرية والتغيير والحزب الشيوعي فقد اثبت الانقلاب أن هناك قوى اجتماعية مؤثرة ساهمت في التمهيد له، كما ان هناك قوى سياسية مدنية وعسكرية شاركت في التخطيط والتنفيذ للانقلاب وهناك قوى سياسية مدنية وعسكرية قبلت أن يتم تحييدها حول الانقلاب، لذا يجب النظر لموضوع وحدة القوى المدنية بشكل واسع وكبير ولذا أعتقد أن المشكلات التي تواجه عملية الانتقال واستعادة المسار الديمقراطي والنظام الدستوري في السودان هي :
1/ عدم وجود رؤية حول القضايا التأسيسية للدولة والتي ينبغي أن يتم التوافق عليها بين الأطراف في المشهد الثوري والسياسي والشعبي والاجتماعي والاقليمي.
2/ انقسام القوى الداعية للتغيير السياسي في السودان الى مسارين مسار يدعو للتغيير الجذري والكلي والفوري ومسار يدعو للتحول والانتقال الديمقراطي التدريجي وكل مسارمنى هذه المسارات داخله تنوع وتعدد لفهم رؤية التغيير وطبيعته.
3/ عدم وجود مركز قيادة موحد لديه قبول من القطاع الأساسي من الثوار ومن الشعب والقوى الفاعلة ويكون هذا المركز قادر على القيادة والتنسيق بين كل الأطراف.
4/ عدم تحديد كيفية والية للقضاء على المهددات والمخاطر الأساسية الحالية والمستقبلية التي تهدد التحول الديمقراطي وتضمن عدم تكرار الانقلاب عليه مرة أخرى وعدم وجود خارطة طريق متفق حولها لاستعادة المسار الديمقراطي.
5/ عدم تحديد موقف واضح ومحدد ومعلن تجاه دول الاقليم وأصدقاء السودان والمجتمع الدولي وينبغي أن يتم التوافق حول دورها والموقف تجاهها واليات التأثير فيها.
المقترح حول توحيد قوى الثورة:
• يتم السعي لتوحيد قوى التغيير بواسطة جميع الأطراف الأطراف المدنية المقاومة للانقلاب وبمبادرة من لجان المقاومة وبالاستفادة من مشاورات بعثة يونيتامس التي أجرتها أو التي ستجريها الان بغرض توحيد قوى التغيير ويكون هدف المشاورات الرئيس توحيد قوى التغيير.
• يتم توحيد قوى التغيير عبر مرحلتين المرحلة الاولى توحيد قوى التغيير التدريجي والمرحلة الثانية توحيد قوى التغيير الجذري مع قوى التغيير التدريجي أو على الاقل خلق قنوات وعلاقات للتنسيق والتكامل والتعاون بين هذه القوى.
المرحلة الأولى:
جلوس قوى التغيير التدريجي وتمثلها الحرية والتغيير وبعض لجان المقاومة التي وافقت على الانضمام للوحدة مع الحرية والتغيير وممثلي أسر شهداء الثورة الذين وافقوا على هذا المسار، جلوس كل هذه القوى في مؤتمر مغلق باسم مؤتمر (توحيد) قوى التغيير التدريجي والانتقال الديمقراطي ويكون المؤتمر بدعوى وتيسير من بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) بغرض واحد وهو توحيد قوى التغيير التدريجي وتخليق مركز قيادة موحد لها في سقف زمني محدود (3 أيام) وتكون أجندة مؤتمر توحيد قوى التغيير التدريجي هي اجازة خارطة طريق لانهاء الانقلاب واجازة رؤية دستورية متوافق حولها واعتماد اسماء ممثلين من كل القوى الحاضرة للمؤتمر بأوزان متناسبة بين القوى الحاضرة للمؤتمر وبعدد مناسب من 250-350 عضو وتأسيس ما يمكن أن نسميه البرلمان الانتقالي حاليا والمجلس التشريعي الانتقالي مستقبلا .
يقوم هذا البرلمان الانتقالي فورا بانتخاب قيادة سياسية موحدة من 25 – 30 عضو واجازة لائحة داخلية تنظم اعماله كما يجيز رؤية لانهاء الانقلاب وكذلك انهاء المهددات المستقبلية التي تهدد التحول الديمقراطي ويضع تصور واضح للوحدة مع القوى خارجه المناهضة للانقلاب والمؤيدة للتحول الديمقراطي والقوى الداعية كأولوية لاعادة تأسيس الدولة السودانية على أسس جديدة.
المرحلة الثانية:
جلوس قوى التغيير التدريجي مع القوى الداعية للتغيير الجذري والفوري والكامل وتمثل هذه القوى بعض لجان المقاومة التي لم توافق على الانضمام لمؤتمر التوحيد والحركة الشعبية جناح الحلو وحركة تحرير السودان جناح عبدالواحد والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين النسخة الثانية وجميع هذه القوى يجمع بينها الاتفاق على حلول جذرية للوضع في السودان لمناقشة قضايا بنيوية وتأسيسية وعلى رأسها طبيعة الدولة ومهمتها وهويتها وشكلها والنظام السياسي والدستوري والنموذج الاقتصادي.
عقد مؤتمر يجمع القوى المدنية والديمقراطية الموحدة وقوى التغيير الجذري في مؤتمر اخر ويسمى (مؤتمر تأسيس الدولة السودانية) ولا ينفض هذا المؤتمر الا بصيغة للتوحد مع هذه القوى حول رؤية موحدة وتطوير رؤية انهاء الانقلاب وتأسيس قوى التحول الديمقراطي وينتهي هذا الحوار بين القيادة السياسية لمؤتمر التوحيد بمركز القيادة المدني الموحد وينتهي الى اتفاق حول قضايا التأسيس الرئيسية وتعدل بناء عليه خارطة الطريق ومن ثم توسيع البرلمان الثوري ليصبح الجمعية التأسيسية أو برلمان تأسيس الدولة السودانية وكذلك القيادة السياسية التنفيذية باضافة ممثلين من تلك القوى التي شاركت في مؤتمر التأسيس.
المرحلة الثالثة:
تطرح الوثيقة التأسيسية لكل قطاعات المجتمع المختلفة وخصوصا اللاجئين والنازحين والمهاجرين والمغتربين والمجموعات الثقافية والنسوية والشبابية والقوى الاجتماعية والادارة الاهلية والطرق الصوفية والجماعات الدينية وينبغي الاستماع لاراء هذه المجموعات وتكون هذه الوثيقة المتوافق عليها وثيقة تأسيس الدولة السودانية وتكون هي مسودة للدستور الدائم.
بعد طرح الوثيقة للمشورة وأخذ الرأي حولها يتم الاتفاق على مشاركة القوى الاقليمية والاجتماعية والشبابية والثقافية والنسوية وكذلك مجموعات اللاجئين والنازحين والمهاجرين والمغتربين والعمل على تخليق مركز للثميل لكل هذه القوى واستيعاب رؤيتها في وثيقة تأسيس الدولة السودانية.
المرحلة الرابعة:
كنتيجة مباشرة لجهود توحيد قوى التغيير التدريجي وقوى التغيير الجذري و وبالتنسيق مع يونيتامس تدخل هذه القوى عبر قيادتها الموحدة واستنادا على وثيقة تأسيس الدولة السودانية في حوار مباشر لكن في مسارات متوازية مع الجهات الواردة ادناه وهي جميعها جهات يمكن أن نسميها المؤسسات الحارسة للسودان القديم سواء كانت مؤسسات تتبع للدولة أو كيانات اجتماعية أو قوى سياسية وذلك تمهيدا لإجراء تسوية تأريخية تضمن التحول الكامل والكلي نحو تنفيذ وثيقة تأسيس الدولة السودانية التي اجازتها الجمعية التأسيسية على أن تحدد الجمعية التأسيسية بشكل واضح حدود الحوار وشروطه وأسسه وأجندته وسقفه الزمني والموضوعات التي لا يمكن أن يتم التفاوض حولها والجهات هي:
1- مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية (الجيش السوداني والشرطة وجهاز المخابرات والدعم السريع) والاجندة هي اصلاح وتحديث هذه المؤسسات والوضع الدستوري للجيش ومهامه ومناقشة وضع المنظومة الاقتصادية لهذه الاجهزة النظامية جميعها واعادة هيكلة جميع القوات النظامية استراتيجيا وتنظيميا وماليا بشكل يخلق صعوبة في وقوع انقلاب عسكري مستقبلي وتعديل القوانين لكل القوات النظامية بناء على ذلك.
2- الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا المنفذة والمؤيدة والمحايدة تجاه الانقلاب دراسة الترتيبات الأمنية وفقا جدولة زمنية محددة وتحول هذه القوى المسلحة لحركات او احزاب سياسية مدنية غير مسلحة.
3- المجموعات الأهلية والمجتمعية الممهدة للانقلاب ودراسة المشاكل التنموية ورؤية هذه المجموعات لمستقبل السودان ورؤيتها للاقليم الذي تتواجد فيه ولتوزيع الثروة والسلطة اقليميا ومركزيا ورؤيتها للمجموعات الاخرى المتساكنة معها في الاقليم .
4- القوى السياسية المؤيدة للانقلاب بما فيها المؤتمر الوطني والتحالف من اجل العدالة وحركات دارفور الموقعة لاتفاقيات السلام مع الانقاذ لمناقشة المستقبل السياسي لهذه القوى وما ينبغي أن تقدمه في سبيل جعلها قوى لها شرعية ومواقيت وكيفية مشاركتها ومدى قبولها في عدم التدخل في المسار العدلي والقانوني للمحاسبة لمنسوبيها الذين ارتكبوا جرائم جنائية او اقتصادية أو مارسوا فساد أو اكتنزوا ثروات بطرق غير مشروعة وايضا مناقشتها في استرداد ما نهبته تمهيد لارجاعها كقوى لها شرعية قانونية.
5- الاحزاب الاسلامية (المؤتمر الشعبي وحركة الاصلاح الان) والجماعات السلفية وموقفها من الثورة والتحول الديمقراطي وقبولها بمبدأ المحاسبة في مشاركتها في الانقاذ ومحاكمة منسوبيها الذين ارتكبوا أي جرائم وعلى رأسها جرية الانقلاب.
لاشك أن هناك تحديات نظرية وعملية تواجه تطبيق هذه الرؤية وعلى رأس هذه التحديات البيئة الحالية والانقلاب القائم والأطراف الاقليمية والدولية ذات التأثير في المشهد السوداني والتي لا تتطابق مصالحها مع هذه الرؤية ولكن يمكن استخدام هذا الوضع الملئ بالتحديات وتحويله لفرصة بدلا من أن يكون مهدد نحو تحقيق هذه الرؤية وهذا يتطلب من الجميع التقدم نحو استخدام قوته ونفوذه وتأثيره للاتجاه في هذا الطريق.
مالك ابوالحسن