في هونغ كونغ، تجعل ناطحات السحاب المتقاربة والبنية التحتية القائمة تحت الأرض نمو الأشجار أمراً صعباً، ما يجعل نوعية الهواء سيئة جداً فيها، وتنذر بمخاطر صحية كبيرة. أما ناطحات السحاب في سنغافورة فتبدو لمشاهديها أنها ترتفع بهدوء وسط واحات خضراء تعكس واقع بنائها من دون ترك أي شيء للصدفة.
يورد تقرير نشره موقع “بغ ثنك” أن أول رئيس وزراء لسنغافورة بعد الاستقلال عام 1969، لي كوان يو، امتلك فكرة تحويل بلده الذي لا يملك موارد طبيعية إلى مدينة حدائق استوائية تحقق معايير العالم الأول في منطقة من العالم الثالث. وأطلق بعد 6 سنوات من تنفيذه أول حملة لزرع أشجار ذات زهور وردية فاتحة حملة “غاردن سيتي” (المدينة الحديقة) التي رفعت معنويات الناس، وجعلتهم يفتخرون بمحيطهم.
في عام 1974، امتلكت سنغافورة 158 ألف شجرة، و1.4 مليون شجرة بعد ذلك بـ 40 عاماً، وأعاد علماؤها إحياء 8 آلاف نوع مختلف من النبات، وجلبوا ألفي نوع جديد للنمو في أراضيها، واستخدموا أنواعاً مختلفة لتزيين جدران المباني والجسور. بالنسبة إلى لي شكّل “التخضير” فرصة لحصول منافسة إيجابية أفادت بعض دول المنطقة أيضاً، وعززت الروح المعنوية للناس، والسياحة، وجلبت المستثمرين، فأصبحت بمثابة وسيلة بقاء لبلد بحجم مدينة لا تزيد مساحتها عن نصف العاصمة البريطانية لندن.
ولأن سنغافورة تعتمد على بلدان مجاورة مثل ماليزيا للحصول على أشياء أساسية مثل المياه، نشدت تحقيق اكتفاء ذاتي عبر “التقاط” مياه الأمطار، وتجنب ترك أنهارها ملوثة. وبحلول عام 1980، وفرت نحو 63 مليون غالون مياه يومياً، أي نحو نصف استهلاكها اليومي حينها. أما اليوم، فتضم سنغافورة عدداً لا يحصى من خزانات المياه وأسطح المنازل والحدائق والطرق والأرصفة التي تسمح بجمع المياه “الملتقطة”، وثلثا مساحتها عبارة عن مناطق لتجميع المياه، وتستخدم نظاماً متطوراً لنقل المياه من القنوات والأنفاق والمضخات إلى محطات المعالجة.
وباعتبار أن الأراضي المحدودة والنمو السكاني السريع حتم تشييد مباني شاهقة، خاضت سنغافورة تحدي تحقيق الالتقاء الصعب بين الطبيعة وناطحات السحاب التي تزودت بنباتات. وتشجع الهيئة الوطنية للتخطيط العمراني اليوم المطورين على تضمين نباتات تغطي أوراقها مساحات أوسع وتتضمن أوراقاً أكثر لإنتاج المزيد من الغطاء الأخضر، وزيادة الفوائد البيئية.
وهكذا أصبحت المدينة أرضاً خصبة للمباني الخضراء. ويرى علماء أن الأشجار المزروعة حديثاً والجدران الخضراء في المدينة ستساهم في تبريد المباني وتوفير الظل وتقليل درجات الحرارة في الهواء الطلق، ما يشجع الناس على المشي أو ركوب الحافلات بدلاً من سيارة أجرة تمهيداً لتعزيز التحكم بالمناخ.
اعداد إعداد: كمال حنا
العربي