بقلم / محمد بيكاسو
مدخل :
إغضب ..
فإن الله لم يخلق شعوباً تستكين
إغضب ..
فإن الأرض تحني رأسها للغاضبين
إغضب ..
ستلقى الأرض بركاناً
ويغدو صوتك الدامي نشيد المتعبين
إغضب ..
فإن الأرض تحزن
حين ترتجف النسور
ويحتويها الخوف والحزن الدفين
الأرض تحزن حين يسترخي الرجال
مع النهاية .. عاجزين
إغضب ..
فإن قوافل الزمن الملوث
تحرق الأحلام
في عين الصغار الضائعين
إغضب ..
فإن العار يسكننا
ويسرق من عيون الناس
لون الفرح
يقتل في جوانحنا الحنين
إرفض زمان القهر
والمجد المدنس تحت أقدام
الطغاة المعتدين
إغضب ..
فإنك إن ركعت اليوم
ستظل تركع بعد آلاف السنين
( 1)
من جملة الأنباء السوداء التي ظلت تتوالى علينا منذ إنقلاب ( ٢٥ أكتوبر) المشؤوم ، جاء في الأخبار أن وزير الإنتاج في حكومة الولاية الشمالية قد أصدر قراراً لتنفيذ القرار ( ١٣٠) وهو القرار الوزاري الشهير والقاضي بنزع أراضي الإطماء الزراعية من الجمعيات التعاونية بوادي حلفا، وبالعودة لتفاصيل القضية نجد أن مجموعة من المسثمرين يتقدمهم وزير الدولة بوزارة الزراعة الأسبق في النظام البائد صادق عمارة وآخرون كانوا قد تقدموا بطعن بمحكمة الطعون الإدارية بدنقلا ضد تخصيص الأراضي المذكورة للجمعيات ، مستندين في ذلك على القرار ( ١٣٠) الخاص بإلغاء تخصيص الأرض للجمعيات والصادر عن وزير الزراعة الأسبق بالولاية الشمالية عادل جعفر ، وكان هذا القرار قد صدر في العام ( ٢٠١٢) ، أي قبل ( ١٣) عاماً .. ولا مجال هنا للدهشة والعجب !!
( ٢)
وهذه القضية ( وللتاريخ) هي مجرد حلقة من مسلسل الإستهداف الدائم والممنهج ضد المنطقة من قبل قوي دولية وإقليمية ومحلية ، طمعاً في مواردها الهائلة في ظل الصراع الدولي المحموم على الأرض والموارد والذي حول العالم من حولنا إلى كرة من اللهب المشتعل ، إذن الأمر يتعدى الأرض المغمورة الآن تحت مياه النيل ، بل مطامع ورغبات مخبوءة لجهات معلومة ومجهولة ومظهر من مظاهر المنافسة المستعرة لإيجاد موطئ قدم في هذه الأرض البكر النائمة في حضن أكبر بحيرة صناعية عذبة في العالم ، وما حولها من جبال وسهول ووديان وما تحتويه في جوفها من معادن ، ولا ننسى أن هذه المنطقة هي مهد الحضارة الإنسانية كما يؤكد علماء التاريخ ، ومن هنا ستتم إعادة كتابة التاريخ وما سيشكله ذلك من خطورة كبيرة على الثوابت التاريخية التي روجت لها الماسونية العالمية وسارقو التاريخ ، وتلك قضىة أخرى سنعود لها في مقال منفصل .
( ٣ )
أما ما فعلته شركات التعدين في المنطقة وما تفعله الآن هو أمر يرقى لدرجة الإبادة الجماعية وهي تصر على استخدام
الزئبق والسيانيد القاتل وتدمير الجبال بالديناميت والمتفجرات ومسحها تماماً من على وجه الأرض ، هذه الجبال التي ظلت شامخة كأهل حلفا منذ فجر التاريخ تحولت بين ليلة وضحاها إلى مجرد أكوام من الحجر نزولاً عند رغبة الباحثين عن الثراء السريع والقادمين من ضواحي المدن المجهولة على حساب صحة وأمن ومستقبل أهل حلفا ، إن تدمير هذه الجبال يذكرني بالآية الكريمة ( وجعلنا الجبال اوتادا) ، فماذا سيحدث إذا تم تخريب هذه الجبال ؟ عندها فقط سيقرأ أئمة المساجد في حلفا قوله تعالي ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) !!
( ٤ )
إن نزع الأراضي من الجمعيات والتدمير المتعمد للبيئة واستخدام المواد الكيميائية المسرطنة ونشر الفوضى والممارسات الدخيلة على ثقافة أهل المنطقة ومحاولات تغيير التركيبة الديموغرافية خلف ستار الاستثمار في التعدين والزراعة والأنشطة التجارية المصاحبة لذلك ، كل ذلك وغير ذلك يقف خلفه ( تحالف الوحوش ) من الشركات العابرة والرأسمالية الطفيلية المتوحشة وسماسرة السياسة والإنتهازيين، وقد تشابكت مصالحهم ولا ضمان لإستمرارية تلك المصالح إلا بإخلاء المنطقة من الوجود السكاني أو إحلال سكان آخرين للإنفراد بثروات المنطقة والإستيلاء عليها بالكامل دون أن ينازعهم فيها السكان الأصليين الذين يشكل وجودهم مهدداً كبيراً لتلك المصالح التي تستمد بقاءها من غياب أهل المنطقة من المشهد للأبد ..!
( ٥)
تري أين كان صادق عمارة ومن معه .. وأين كان من أصدر القرار ( ١٣٠) المعيب .. وأين كان من أيدوا هذا القرار الكارثي في الأجهزة العدلية المعطوبة .. أين كان مسؤولو الولاية الشمالية الذين ظلوا يستهدفون وادي حلفا
.. أين كان هؤلاء جميعاً عندما حدثت جريمة تهجير اهالي حلفا ؟
اين كان هؤلاء عندما اختارت قلة من النساء الشامخات والرجال الصناديد البقاء في أرض الأجداد وسط ظروف إنسانية بالغة الصعوبة والتعقيد بعد أن تخلت عنهم حكومة عبود الغاشمة وسط الجبال القاسية والوحوش الضارية دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق ، دون ملجأ أو ملاذ إلا الله الواحد القهار وإيمانهم بقضيتهم ورغبتهم الجامحة في البقاء والصمود ، صبروا وصابروا وثابروا ونحتوا بأظافرهم على صخور الزمان حياةً جديدةَ رغم أنف السد العالي ورغم أنف التهجير المرير ، رغم المعاناة الهائلة وشظف العيش وضيق ذات اليد وقلة الحيلة ومصادر الحياة الشحيحة وعذاب الإنتظار ونهارات الصيف الملتهب وليل الشتاء الطويل وحزن القلوب الشفيفة على فراق الأهل والأحباب والجيران وغضب الطبيعة ولدغات الأفاعي والعقارب ومقارعة الذئاب والضباع والحكومات المتعاقبة ، ما لانوا ولا هانوا ولا استهانوا ولا استكانوا ولا استعانوا إلا بالله منجي سيدنا نوح عليه السلام من الطوفان ، كانوا كلما ارتفعت الأمواج يرحلون إلى الأماكن المرتفعة في ملحمة تاريخية لم يكتبها التاريخ بعد ، تساموا فوق جراحهم الغائرة ليعلموا الناس معنى الحياة والبطولة والجسارة والصبر الأسطوري النبيل ، واجهوا مصيرهم الرهيب بالصبر وقوة الشكيمة والتجرد ونكران الذات واحتملوا ما لم يحتمله إلا الأنبياء والمرسلين ، شيدوا بسواعدهم العارية بيوتهم ومساجدهم ومدارسهم وصنعوا مدينتهم من العدم حتى عادت حلفا مرة أخرى من قلب الأمواج الهائلة كعروس النيل الأسطورية في كامل بهائها وزينتها لتقول للجميع ( انا خلقت لأبقي) ، هؤلاء القوم الكرام رجالاً ونساءاً واطفالاً كتبوا أسماءهم في كتاب العظماء بحروف من النور المقدس ، ومن يرقدون الآن بسلام في مقابر وادي حلفا هم من أشرف وانبل وأعظم من انجبتهم حواء على مر العصور ، أهل وادي حلفا صنعوا معجزتهم بدمائهم ودموعهم وعرقهم وقدموا لهذا السودان المنكوب مالم ولن يقدمه احد إلى قيام الساعة ، ظلمتهم الحكومات وأنصفتهم عدالة السماء ، ولا يريدون من أحد جزاء ولا شكورا ، ارفعوا أيديكم عن هؤلاء القوم واتركوهم ما تركوكم ، رفعت الأقلام وجفت الصحف .
مخرج :
الوحش يقتل ثائراَ
والأرض تنجب الف ثائر
يا كبرياء الجرح لو متنا
لحاربت المقابر !!
الوسومالقرار ( ١٣٠) وادي حلفا .. القرار وتحالف الوحوش
شاهد أيضاً
«اليوم العالمي للسكري»: جهود مملكة البحرين للارتقاء بجودة الحياة للمتعايشين مع السكري
كشفت البروفيسور دلال الرميحي استشاري الغدد الصماء والسكري بمستشفى العوالي أستاذ مشارك للطب الباطني في …