في سبتمبر 2017 انعقد مؤتمر الدول الأطراف (192 دولة) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (رقم 13) بمدينة “أوردوس” بمقاطعة منغوليا الداخلية بالصين. في ذلك المؤتمر أعلن عن الفائز عن جائزة الأرض لأجل الحياةLand for Life والتي تمنح لمن يقوم بابتكار أو عمل استثنائي يحقق بعض أهداف التنمية المستدامة ذات الصلة بتحييد تدهور الأراضي ومكافحة التصحر، الهدف 15 (الغاية 3) على وجه التحديد. فهل تعرفون لمن كانت الجائزة من بين كل المتنافسين؟ لمشروع وادي الكوع السوداني مناصفة مع مشروع آخر هندي.
مشروع وادي الكوع نفذته حكومة ولاية شمال دارفور خلال الفترة 2012 – 2015 بالتعاون مع المجتمعات المحلية بالولاية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة براكتكال اكشن بدعم من الاتحاد الأوروبي. وقد نجح المشروع في زيادة كميات المياه المختزنة زيادة بلغت 5ر17 ضعفا، مما رفع مساحة الأراضي المستزرعة من 875 فدان إلى ما يفوق 15 ألف فدان، فوفر بذلك مساحات إضافية لفلاحتها بالمحاصيل الزراعية والعلفية لعدد 4500 مزارع.
ساعد المشروع كذلك في تخفيف الضغوط الواقعة على الغطاء النباتي الطبيعي الشحيح والمتدهور أصلاً بالمنطقة وجنبه تبعات الرعي الجائر وحدوث مزيد من التدهور. إضافة إلى ذلك قام المشروع بتأهيل مواعين لتخزين المياه مما قلل من معاناة 17500 مواطن كانوا معرضين للجفاف ونقص المياه. كما نجح المشروع في ترسيم 10 كيلومترات من مسارات الرحل، وكان من المقرر تواصل العمل فيها إلى 120 كيلومتر طولي للتخفيف من الاحتكاكات التي تحدث أحياناً بين الرعاة والزراع.
بالإضافة إلى ذلك أنشأ المشروع خمسة غابات مجتمعية نسوية بغرض الإسهام في زيادة دخل الأسر بالمنطقة خلال فترة 3 – 4 سنوات من بدء المشروع، فضاعف بذلك من مقدرات خمسة مجتمعات محلية على التواؤم مع ظروف بيئتها المحيطة. هكذا فعل شعب السودان وهو إن أراد فعل ولكنه للأسف نادراً ما يريد أن يفعل.
على هامش ذلك المؤتمر أطلعتنا الصين كمشاركين فيه على تجربتها في مجال مكافحة التصحر. وتعد الصين من بين البلدان الأكثر تأثرا بالتصحر، فحوالي ربع مساحتها متصحرة وثلث سكانها مهددون بالتصحر، بينما تعد في ذات الوقت أكثر بلدان العالم محاربة له، بل واستثماراً فيه. فقد استطاعت تحويل النظرة التقليدية للصحراء من كونه نقمة إلى كونه نعمة، فبنت على ما أسمته “اقتصاد الصحراء الأخضر”، وهو مفهوم يقوم على أسس تحويل التحديات إلى فرص، بجعل جهود مكافحة التصحر ذات عائد مادي قائم على اقتصاديات السوق والصداقة مع البيئة، كالسياحة الصحراوية مثلاً.
كان اختيار الصين لمدينة “أوردوس” لاستضافة المؤتمر بسبب أنها كانت حتى خمسينيات القرن الماضي تتوسط أراض صحراوية ومتصحرة، 96% من الأراضي المحيطة بها مغطاة بالرمال والصخور الرملية الخالية من الغطاء النباتي. وكانت الأعاصير الرملية والعواصف الترابية تهددها في غالب الأوقات، إلا أن المدينة أحالت المستحيل إلى واقع، وحولت الصحاري المحيطة بها إلى مروج خضراء وغابات تغطي أكثر من 80% من مساحة أراضيها. هكذا أرادت الصين باطلاعها لنا على هذه التجربة أن تقول لنا أن شعب الصين إذا أراد فعل، وأنه دائماً يريد أن بفعل.
حينما استقل السودان في منتصف خمسينيات القرن الماضي كانت الغابات تغطي نسبة 36% من جملة أراضيه. وفي ذات هذا الوقت كانت أراضي كوريا الجنوبية والتي كانت قد تخلصت لتوها من قبضة الاحتلال الياباني (1910 – 1945) وخرجت منهكة من الحرب الأهلية الكورية (1950-1953) خالية من الغابات تقريباً بسبب الاحتلال الياباني الذي استنزف كل غاباتها لصالجه، والآن وخلال العقود الستة التي أعقبت استقلال السودان وانتهاء الحروب في كوريا غطت الغابات 65% من مساحة كوريا الجنوبية بينما تقلصت مساحة غابات السودان إلى 15.8% فقط.
حدث ذلك لأنه في حين ظل الكوريون يغرسون أضعاف أضعاف ما يزيلون من أشجار عمدنا نحن إلى قطع وإزالة أضعاف أضعاف ما نغرسه منها. وفي حين أنشأ الكوريون “الحركة الشعبية للإصلاح والتعمير” التي حولت بلادهم من صحراء إلى جنة خضراء، أنشأنا نحن عشرات “الحركات الشعبية” ولكن ليس من بينها حركة واحدة للإصلاح والتعمير. فهل يستوي الذين يريدون ويفعلون والذين نادراً ما يريدون أن يفعلوا؟
ما تقدم من مقارنات ليس تقليلاً من شأننا نحن هنا في السودان أو تبخيس لمقدراتنا وإنما تأكيد على أننا قادرون أن نفعل إذا أردنا أن نفعل كما أراد غيرنا وفعل. فهناك حلم ظل يراودنا بتوفر الإرادة التي هي قدرة الله الخلاقة المخبوءة فينا وفي جميع مخلوقات الله الحية لبلوغ حد أعلى من الحياة. وتوفر الإرادة كما تقول بعض الفلسفات مخبوء حتى في البذور الجافة التي تجدها مطمورة في جوف الأرض، محتفظة بقوة الحياة الكامنة فيها تنتظر الفرصة السانحة للعودة إلى الحياة، وعندما تحين تنمو تلك البذور وتترعرع إلى نباتات أو شجر. فالإرادة هي ارادة الحياة، إذا أراد الشعب يوماً حياة.
تضرعاتي بحسن الخلاص؛ وتحياتي.
عبد العظيم ميرغني