ثالثة الأثافي
د. عبد الماجد عبد القادر
المؤلف الأسباني المشهور سيرفا نتسكان من أقدر الكُتّاب الأوروبيين الذين وصفوا الحالة النفسيّة التي ربما تعتري بعضاً ممن يعتقدون أنهم ضد العالم،وأن كل العالم يقف ضدهم،وكان من بين هؤلاء الشخصية المعروفة باسم دُونْكِيْشُوتْ.ودُونْكِيْشُوتْ كان يُحارب طواحين الهواء ويقود عليها حملةً شعواء وشرسة،وحيث كان في اعتقاده أنه يقوم برد الصاع صاعين للأعداء الذين يتوهّم أنهم موجودون ويترصدونه.. وكان دُونْكِيْشُوتْ يتوهّم أنه يركب حصاناً أصيلاً ويحمل سيفاً بتّاراً ويتمنطّق بالدروع والخُوذات،بينما كان في الحقيقة يمتطي حماراً أعرج ويلبس أسمالاً بالية ويحمل في يده خشبة أكلت دودة الأرض معظم أطرافها. وكان الرجل يُغير على طواحين الهواء رجاءَ أن يجد بداخلها الأعداء… وعندما لا يعثر عليهم يقوم بتسديد الطعنات والضربات للطواحين نفسها. وقصة دُونْكِيْشُوتْ (بتاع الخواجات) تُذكرنا بالطُرفة العربية الواردة عن (أبي حُيَيَّة) والذي كان مشهوراً بالجُبن والإدعاء ومعروفاً بالوهم على شاكلة دُونْكِيْشُوتْ.. وقد قيل أن نساء الحي في ليلة من الليالي المظلمة سمعن أصوات القدور تتساقط في أحد المنازل مما أحدث كثيراً من الضوضاء والجلبة (الكَرْكَبَة) داخل الغرفة.. واعتقدت النساء أن هذه الأصوات كانت بسبب أحد اللصوص. ولهذا فقد استنجدت النساء بأبي حُيَيَّة الذي حضر وهو يحملُ سيفه وصعد على أحد الأبراج العالية وهو يرتعد من الخوف وصار يخطب بالصوت العالي ويصيح متوجِّهاً نحو اللص المتوهّم ويتوعّد ويهدِّد قائلاً : “أيها اللص المغرور المجترئ علينا لقد اخترت لنفسك سوء العاقبة وليس لك عندنا إلا السيف المصقول وضربه المشهود،وعليك أن تخرج ونعفو عنك وإلا دخلنا عليك وأذقناك من العذاب والعقاب، والله إن لم تخرج دعوت إليك أخوالي من بني فلان ومن بني فلان،وأقاربي من بني علان وإنهم لفاعلون بك كذا وكذا”.
وبينما هو يصيح ويكورك ويبرطع ويتوعد ويرغي ويزبد خرج من المنزل كلب كان هو الذي يُحرِّك الأواني و «الحِلَل»في الغرفة مما أحدث الأصوات المزعجة… التي خافت منها النساء حتى استنجدن بأبي حُيَيَّة.. وأبو حُيَيّة عندما شاهد الكلب قال : “أيها اللص الحمد لله الذي مسخك كلباً وكفانا حرباً !!!”وصار يتبختر بين النساء ويقول ويتهادى بافتخار..
وأمثال دُونْكِيْشُوتْ بتاع الخواجات وأبو حُيَيّة بتاع العرب يوجد لدينا الكثيرون.. وقد أفرزت الأوضاع السياسية الحالية أنماطاً كثيرة من مثل هؤلاء.. و”الفسحة”و”الكُوّة”والمساحة التي أتاحتها الإنقاذ للمُعارضة لربما جعلت البعض يعتقد أنه يركب حصاناً بينما هو يمتطي الحمار المكسور الرجل والظهر.. ويعتقد أنه يحمل سيفاً بينما يحمل خشبة ويعتقد أنه يلبس الدروع والحديد بينما الرجل”قاعد ميطي في السهلة”.. والبعض ربما أخذته نشوة الحرية وأسكرته فصار يكورك مثل أبي حُيَيَّة قائلاً : “أيها الحكومة المجترئة علينا إن لم تُشاركينا في الحكم ولم تشاورينا في الأمر فإني سوف أدعو لك أهلي وأقاربي من بني فلان وعلان،وسوف أشكوك للأمم المتحدة والبنك الدولي وحقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية”… وتظل الحكومة ترقبه وهي تحمل الجزرة والعصا… وتمد له الجزرة فيدعي أنها أصغر من”مقاسه”وترفع عليه العصا”فَيَلْبِد”ويسكن.. ثم ينام ليصحو مرة أخرى مطالباً مرة ثانية بأن يتركوه يتذوّق طعم الجزرة .. ومن المؤكد أن المعارضة التي نعرفها منذ طفولتنا الباكرة لن تستطيع أن تحدث أي نغيير لا في النظام ولا حتى في نفسها … وأهل المعارضة وزعماؤها يعتقدون أنهم قد جاؤ,ا إلينا يسندهم الحق الألهي في أن يحكمونا كيف أرادوا ومتى أرادوا … وهذا لن يحدث مرة أخرى ….
شاهد أيضاً
نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا
أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …