الأربعاء , يونيو 18 2025
أخبار عاجلة

بين الجامعة و السكة الحديد

إعادة نشر المقالة لاهمية الموضوع مثلا من صحيفة الخرطوم 4\6\2001

د. هاشم مساوى

الفرق غير كبير بين الجامعة و السكة الحديد فالمؤسستان تعنيان بتأهيل الإنسان لآداء عمل ذي طابع تخصصى و بمهارة مكتسبة و مسؤلية محددة مع إعتماد الجامعة على الدراسة و السكة الحديد على الممارسة … والشبه أكثر من أربعين فى القلب و القالب و المعنى و المبنى …. فمبانى السكة الحديد و مبانى الجامعة الرئيسية متينة و صامدة عبر السنين و هى فى حد ذاتها رمز للرسوخ فى العلم و العمل و التماثل بينهما يتعدى الصورة الى الإطار فالأسوار المحيطة بالجامعة و البوابات الرئيسية تشبه الأسوار المحيطة بمحطات السكة الحديد الكبيرة و بواباتها الضخمة، و بوابة إسماعيل الشهيرة بعطبرة و مرور العمال بين الورش و السوق هو نفس مشهد الطلاب بين الجامعة و البركس و حشود الدراجات فى عطبرة يشبه تلك التى فى جامعات آخن و أكسفورد …. و كما أن لجامعة الخرطوم شعار U K فكذلك لسكك حديد السودان شعار S.R. مرسوماً على القاطرات الكبيرة و كل أشياء المصلحة وحتى أزرار الملابس الصغيرة … و كما أن الجامعة مقسمة لكليات و أقسام يتفاوت بها الجانب النظرى و العملى كذلك السكة الحديد بوحداتها و أقسامها الرئيسية: الورشة و الإدارة و الهندسة. فالورشة يتبع لها قسم السواقين و التجهيز و صيانة القاطرات و العربات و الإدارة و يتبع لها أقسام الحركة و البضائع و نظار المحطات و الكنترول الذى ينظم مسير القطارات و الهندسة و أشهر أقسامها الدريسة المسؤولة عن تركيب و صيانة قضبان السكة الحديد و حفظها من الأتربة و السيول …..
المفتشون و النظار يشبهون هيئة الأساتذة بالجامعة و كلمة أسطى المتداولة فى السكة الحديد تعادل كلمة أستاذ مع تغيير بسيط فى التركيب اللفظى فأصلهما واحد فى اللغة التركية و تعنيان المعلم …. أما الطلاب السواد الأعظم فى الجامعة فيقابلهم العمال بغالبيتهم العظمى فى السكة الحديد مع بعض الفوارق التى تكون فى صالح الجامعة أحياناً و فى صالح السكة الحديد فى كثير من الأحيان … فالعامل فى السكة الحديد أكثر شبهاً بالمعيد فى الجامعة من حيث أنه معلم ومتعلم فى ذات الوقت مع ترقيه و رقيه فى العمل و أكثر حركة فى رحاب الموسوعية من الطالب الذى يقيده ضيق التخصصات الأكاديمية.
المشابهة بين البراءة الطلابية و البساطة العمالية تتنقل بحرية كإلكترونات الذرة النشطة بين مدارات المظهر و نواة الجوهر و تبدو واضحة فى بساطة الملبس و المأكل فكما أن الجينز الأزرق هو اللبس الغالب فى زى الطلاب فهو الأبرول و زى العمال الأساسى و إن خالطته بقع الزيوت فإنما هى أوساخ لا تطال الطهارة و لو قصرت النظافة …. و عدس البركس معروف مثل فول عطبرة المبروك…. و العلاقة وطيدة عميقة بين فلس الطلاب الذى يهون فى سبيل غدٍ منشود و فقر العمال الراضى بحاضرٍ مشهود و الحياة عند المجموعتين بسيطة للعلاقة المباشرة بين الواقع و الحقيقة ، فالهم واحد و البرنامج اليومى رتيب مكرر كراتب الصوفى السالك فى الطريقة ، ما بين الغدو للعمل أو الدراسة فى الصباح الباكر و الرواح للمساكن البسيطة فى المساء الفاتر العامل كالٌ من عمل اليد و الطالب محصور فى واجب الغد …. و قد وصف المرحوم سليمان فارس مدينة عطبرة بأنها تنام على الحديدة و تصحى على الصفارة.
السكن فى أحياء السكة الحديد يشبه السكن الجامعى من حيث أنه جماعى و فريق قومى مشكل من مختلف أنحاء و قبائل و أجناس السودان و توجد فى محطات السكة الحديد الكبرى داخليات لصغار الموظفين و العمال … ولكن السكن الأسرى هو الغالب فى كل أحياء السكة الحديد من المحطة و لفريق القطاطى و يتفوق على السكن الجامعى بوجود النساء و الأطفال ليعطى الحياة الإجتماعية بعداً لا تصله الجامعة كماً و كيفاً … و الناس فى أحياء السكة الحديد أكثر ألفة و محبة للجيران و يجدون فيهم العوض عن الأهل و الأرحام الذين بعد عنهم المكان و طال بهم الزمان فاحتلت الجيرة محل العشيرة :
عشان كل الناس قراب
كل الناس أهل
و الماهم قراب قربهم العمل

المرأة و إن كانت لا تعمل مباشرة فى السكة الحديد مع الرجل مقارنة بالدراسة المختلطة فى الجامعة إلا أنها مرتبطة فى عملها المنزلى بنظام و مواعيد السكة الحديد و بصفارة العمال الكبيرة و صفارة القطار الصغيرة و أكثر التزاماً و انتظاماً من رجال الأعمال الحرة … و غياب الزوج المتكرر تعوضه المرأة بمزيد من المسؤلية و الإهتمام بتربية و تعليم الأطفال … و الأطفال اللذين يتعايشون مع جيران من مختلف الأجناس و القبائل بمختلف العادات و التقاليد و مختلف أنواع الطعام فى المائدة الواحدة من قمح الشمال الى دخن كردفان , ينشئون فى توازن إجتماعى و مرونة و هم أكثر قدرة على التسامح و تقبل طبائع الآخرين …. فاحتكاك الجهاز المناعى مع الأجسام الغريبة و منذ وقت مبكر يحصن الإنسان و يحميه ضد كثير من الأمراض , و هذه هى القاعدة العلمية للتطعيم …. و المتأمل فى الدراما السياسية لا يجد شخصيات متعصبة تسارع فى إستعمال العنف ضد الرأى الآخر قادمة من مثل هذه المجتمعات المتعددة و المتنوعة الجنسيات كأحياء السكة الحديد و أشباهها من تجمعات سكنية فى المشاريع الزراعية و مصانع السكر و قشلاقات البوليس … الخ و التسامح الذى اكتسبه مانديلا فى السبعينيات يكسبه هؤلاء الأطفال فى السابعة …. و معروف فى علم الأمراض أن الورم الناشىء من خلايا متنوعة polyclonal يكون حميداً عكس الأورام السرطانية التى تنبت من خلية واحدة monoclonal. و من التمارين المعتادة أن يستيقظ الطفل ليجد معه فى بيت السكة الحديد الضيق إمرأةً غريبة بأطفالها أنزلها قطار و فى انتظار قطار آخر و نحن قوم لا نستعمل الفنادق إلا فى شهر العسل.
و تزدهر الحياة الإجتماعية فى السكة الحديد بالأندية الإجتماعية و الثقافية المنتشرة فى المدن و المحطات و هى تشبه مقهى النشاط فى الجامعة و الجمعيات و الروابط المختلفة. أما إتحاد طلاب الجامعة بمساهماته الإجتماعية و إسهاماته السياسية فما أشبهه بنقابة عمال السكة الحديد و دورها الإجتماعى و السياسى … فخدمات النقابة شملت العلاج و تعليم الأبناء فى مدارس الخدمات الإجتماعية و غطت الإحتياج التموينى من المواد الغذائية و حتى الثلاجات و التلفزيونات بأسعار زهيدة تقارب التسعيرة الطلابية ….
الممارسات السياسية و الإنتخابات فى نقابة عمال السكة الحديد رائقة راقية و سمحة متسامحة تقيدها الزمالة و يضبطها الإخاء مقارنة بإنتخابات إتحاد الطلاب فى الجامعة التى تشوبها البغضاء و يسودها العداء و تسيل فيها الدماء خاصة إذا ما كان أحد الأطراف متواطئاً مع سلطة حاكمة أو حكومة متسلطة و لا يراعى فى الآخرين إلاًّ و لا ذمة و أحداث العنف فى السكة الحديد لا تذكر مقارنة بالجامعة رغم توفر كل أسلحته و أدواته من جميع أنواع و أشكال الحديد بما فى ذلك السيخ الذى ارتبط بأسماء بعض المجموعات و الأفراد فى الجامعة…. و عموماً فإن الأحزاب المتعصبة سواء ما تعصب منها فى الماضى أو ما زال يتعصب شعبيتها ضئيلة وسط عمال السكة الحديد لأن معظمهم يرفع شعار “حِب الكل و اعرف شيخك” و هو ما تعلموه من مشائخهم فى مختلف أنحاء السودان و قد شكل انتشار العمال مع قضبان السكة الحديد شبكة إنترنت و اتصال روحى بين الشيوخ و الصالحين فى حلفا و كسلا و سنكات و المسيد و الأبيض … الخ. فاستلهموا من قطارات الإكسبريس السباق و فى كل الإتجاهات و من المشائخ دلائل الخيرات ( و لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأتى بكم الله جميعاً إن الله على كل شىء ٍ قدير ) البقرة آية 148. فكانت المحصلة تعايش دنيوى و تسامح دينى أينما توجهه يأت بخير.
الحرس الجامعى جهاز أمنى خاص بالجامعة فقط يقابله بوليس السكة الحديد ذو الطابع التخصصى فى قضايا السكة الحديد فقط , فعساكر السكة الحديد لا يعملون فى مراكز الشرطة الأخرى و يحرسون قوانين السكة الحديد التى تراعى سلامة العاملين و المسافرين. و يوجد كتاب صغير اسمه االلائحة يحفظه العاملون عن ظهر قلب يتضمن كل النظم و القوانين التى تحكم العمل و تنظم الحركة, فالحوادث فى السكة الحديد قليلة كدليل وعى و إحساس بالمسئولية, و قد غاب حادث قطار أوبو الشهير فى الستينيات فى غمرة حوادث و أحداث الطرق و السيارات فى السبعينيات فقط دون العقود التالية.

تشكيلة الأجناس و القبائل فى أحياء السكة الحديد و فى أقسام العمل واضحة وضاحة مع زيادة نسبة بعض المجموعات فى قسم دون غيره كالمحس و الحلفاويين فى المرطبات و السنطور و احتكار الرباطاب للدريسة و كثرة الشايقية بين السواقين , و منظر البرنيطة (القبعة) الضخمة و هى تغطى بظلالها بعضاً من الشلخ السلم للكمسارى أو ناظر المحطة الذى غالباً ما يكون من الجعليين الهادئين بمنطقة بربر و الباوقة … و هو ذات المنظر الذى صوره هاشم صديق شعرا ً فى مسلسل قطار الهم:
حفظنا السكة محطة محطة
ود الحورى ود النيل و العطشان
و حتى الناظر و جرسه النايم
و لون المكتب و عغش الناس
الماشى يناهد بالكيمان

الوحدة الأساسية التى تؤدى الجامعة من خلالها رسالتها العلمية هى المحاضرة , جمهور من الطلاب و محاضر و موضوع علمى شارك فى إعداده طاقم الشعبة و وسائل ايضاح كالسبورة و مسلاط الشرائح ( بروجكتر)….. الوحدة الأساسية التى تؤدى السكة الحديد من خلالها رسالتها العملية هى القطار , جمهور من الركاب و العمال المقيمين و المرافقين الخ. … قطارات النقل البطيئة و البضاعة و قطارات الركاب بمسمياتها ذات الدلالة: إكسبرس حلفا , مشترك نيالا , مشترك كريمة , مشترك كسلا بورتسودان , محلى الخرطوم سنجة , محلى عطبرة أبو حمد , قطار بابنوسة واو , و قطار الباخرة ( كوستى) … الخ. …. هذه القطارات المسافرة عبر شبكة حديدية على امتداد الوطن لا ترى فيها عوجاً و لا أمتاً تشبه النيل سليل الفراديس و روافده فى الرسم على الخريطة و فى الإنسياب و توزيع الخيرات و رغم الصدأ و التآكل الذى أصاب حديدها من طيلة الوقوف فما زال النيل يستحثها بشعاره :
رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب و إن لم يجر لم يطب
حركة و انتشار فى ربوع سوداننا لا تنافسه الجامعة و إن استعانت بأخواتها الجامعات الخدج اللائى ولدن حديثاً فى بعض المدن ….
و لك أن تحسب عدداً من القطارات فى اليوم الواحد فى كل قطار ثلاثون عربة فى كل عربة عشرة قمرات فى كل قمرة ثمانية ركاب , و الله يضاعف ما يشاء , بينهم الدنقلاوى و الشايقى و الجعلى و الكاهلى و الجوامعى و الشكرى و الشلكاوي و النوباوى و الختمى و الأنصارى و الهلالابى و المريخابى ….. و قد اكتمل بينهم التعارف و التآلف و المودة و هم يتبادلون فوائد السفر الخمسة و نافذة القطار مثل البروجكتر (مسلاط الشرائح) فى قاعة المحاضرات تعرض المناظر المتنوعة و القطار يتهادى عبر الربا و المهاد و السافنا تتياين بين الغنى و الفقر و الحياة بين البدو والحضر و عمود التلفون هو الدالة الثابتة و القاسم المشترك لكل المناظر يشد الأسلاك التى تمثل العصب الحسى للسكة الحديد يتبادل من خلاله العمال شئون العمل و شجون الأهل …. بالله أى بحث دراسى و أى طرح سياسى يؤلف و يوحد بين هذا الخليط البشرى مثل السكة الحديد و هى تمثل النسيج الضام connective tissue الذى يربط بين أجزاء الجسم و أى وحدة وطنية لا تستفيد من الهدى النبوى فى التشبيه بالجسد الواحد الذى إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ….

طلاب الجامعة و خاصة فى الدفعة الواحدة يكونون و ما يخشى تفرقهم و لكن بعد التخرج لا يرجى تلاقيهم ما عدا القليل اللذين يواصلون فى الدراسات العليا. بالمقابل يظل الكثير من عمال السكة الحديد على ارتباط بعد المعاش و ربما شيدوا مساكن بل أحياء مثل حى العمال فى كسلا و سنار التقاطع و واصلوا حياتهم البسيطة و صلاتهم الطيبة على ذات المنوال.

للجامعة الدور المهم فى توفير الكوادر المؤهلة أكاديمياً و أثرت الحياة الفكرية و الفنية و ظلت مصدراً و منهلاً لأصناف الثقافة و الآداب بينما اكتفت السكة الحديد بدور الملهم لكثير من الأغانى و الأشعار و قليل من المؤلفات مثل من نافذة القطار لعبد الله الطيب و برنامج القطار للطيب محمد الطيب ….. و إذا ما ارتبطت بالجامعة بعض الأسماء فى مجال الغناء مثل حمد الريح و سيف الجامعة فالسكة الحديد يكفيها هنا عبد العزيز محمد داؤود الذى كان يعمل محولجى و وظيفة ناظر محطة بانتظاره بحكم أنه من بربر إذا واصل ترقيه فى السكة الحديد و رفيقه حسن خليفة العطبراوى الذى اشتهر بأناشيده الوطنية ليواكب الحس الوطنى للعمال و باللغة الفصيحة البيان ليرضى ذوقهم العالى رغم تعليمهم البسيط …. و على أية حال فإن السكة الحديد لم يكن بها فرعاً للتوجيه المعنوى كما فى بعض المؤسسات الأخرى التزاماً منها بالخلق السودانى الأصيل السوّاى ما حدّاث …
و عموماً فإنى أحرص أن أقف موقف الحكم الحكيم و أجلس مجلس القاضى العادل فأنا مدين للسكة الحديد بتربيتى و مدان للجامعة بتدريبى و أحسب أن العلاقة بين الجامعة و السكة الحديد هى علاقة تكاملية و ليست تنافسية و العمال عامة وعمال السكة الحديد خاصة و نساؤهم يكنون للجامعة الإحترام الممزوج إعجاباً و هم أحرص الفئات على تعليم أبنائهم …. أبناء عمال السكة الحديد فى الجامعة , قبل التغييرات الأخيرة فى التركيبة الإجتماعية , هم الأكثر فى الجامعة قبولاً و إقبالاً و الأكثر تقبلاً للآخرين أشخاصاً و أفكاراً …. و هو إحترام و إعجاب لا ينقص من إعتزاز العامل بخبرته العملية فى الممارسة و التدبير مقارنة بالمهندس الجديد بذخيرته العلمية و الذى يكثر من الآراء و التنظير كما هو الحال و شيل الحال مع محضر العملية القديم و طبيب الإمتياز الحديث و لسان حالهم يردد مع شوقى :
و كم منجب فى تلقى الدروس تلقى الحياة فلم ينجب
و قد أفادت السكة الحديد و استفادت من الكثيرين من خريجى الجامعة بما فى ذلك الكليات النظرية و لم ينس الوطن البر المتبادل بين السكة الحديد و موظفها خريج القانون الذى لم تشغله السياسة عنها فأطلقت اسمه مبارك زروق على أشهر وابوراتها , رحمهما الله.
و فيما يحكى أن امرأتين من نساء السكة الحديد التقتا بعد سنوات إثر تنقلات السكة الحديد المعهودة فقالت إحداهما بافتراء و تباهٍ لقد اشتغل ولدى قاضياً , فردت الأخرى و هى تغالب الحرج لأن ولدها لم يواصل تعليمه , ولدى شغال كمسارى فرملة لكن ماهيته مكفياه.
نأمل أن يرجع اليوم الذى تكفى فيه الماهية (الراتب) القليل المتصل و الذى هو خير من الكثير المنقطع كما جاء فى تعاليم المصطفى صلى الله عليه و سلم و كما شرحه الواقع عندما كان الإكتفاء هو طابع الموظفين و العمال و كان الراتب الشهرى على قلته هو أساس الإستقرار المادى و التخطيط البسيط لكل أسرة و بيت و كيف نرفع شعارات الوحدة الوطنية الكبيرة و نجرح شعور الوحدة فى الأسرة الصغيرة و كيف نتوجه حضارياً و أهل الحضارة المادية هم الأكثر حرصاً على السكة الحديد و أشباهها من المشاريع الجماعية الكبيرة و الشركات متعددة الجنسيات و التى بفضلها تخطت الدول الأوربية الوحدة الوطنية الى الوحدة الأوطانية بعد أن كانت تفرقهم الحروب العنصرية فى التاريخ القريب …. و بعد فهل هناك مؤتمر سلام أجدى سبيلاً و أصدق قيلاً من قطار واو … و إذا كانت أوربا بعيدة المنال و لا تصلح لضرب المثال فلننظر لسكك حديد زامبيا و تنزانيا و التى شارك فى بنائها خبراء أجانب من السودان ما زال بعضهم أحياءً يرزقون …. يرزقون من مصادر أخرى ضنينة بعد أن غيض راتب السكة الحديد و استوت قاطراتها على خط الشرك (قضيب هامشى على جانب المحطة للقاطرات و العربات التالفة ). كما يمكن المقارنة بدول الثراء الجديد الناضح من تحت الثرى و التى لم تنشىء شبكة للسكة الحديد تدعم وحدتها الوطنية و تؤلف بين قبائلها , فظلت كل جماعة منها ملتفة حول بئر نفطية و قصر مشيد فى مائة عام من العزلة أو يزيد رغم وحدة الدم و اللسان.

السكة الحديد مثل الجامعة لكل الوطن و ليست إحداهما أحب لأبيهما من الأخرى و الذين لم يلتحقوا بالسكة الحديد كعاملين ارتبطوا بها كمتعاملين و فى جغرافية المدارس الأولية كانت السكة الحديد إحدى سبل كسب العيش فى السودان و نحن نرتقى سلم الحضارة حسب التوجه الحضارى الذى فهمناه وقتها ….. بدأنا بمجتمعات الزراعة البسيطة و الرعى و تعرفنا بواسطة صديقنا محمد صالح على مشروع الجزيرة فى ود سلفاب و زرنا صديقنا إدريس التاجر بأم درمان و ختمنا بآخر الرحلات لصديقنا عبد الحميد سائق القطار و نحن نترنم بآخر أبيات النشيد الجزل فى القولد التقيت بالصديق:
آخر الرحلات كانت أتبره حيث ركبت من هناك القاطرة
سرت بها في سفر ٍ سعيد و كان سائقي عبد الحميد
أعجبت من تنفيذه الأوامر بدقة ليسلم المسافر

د. هاشم مساوى
المدينة المنورة (سنار التقاطع)

Tel.00966501126110. E. mail: hashimmissawi@hotmail.com

عن المحرر العام

موقع ايكوسودان نت موسسة السموءل حسن بشري بدوي موقع لخدمة الإعلام التنموي والاقتصاد الرقمي

شاهد أيضاً

المخدرات

د. أحمد عيسى محمود عيساوي آثار الحرب التدميرية على المجتمع بدأت تظهر. ولتكن ولايات الوسط …

البيئة بيتنا