إعادة نشر المقالة لاهمية الموضوع مثلا من صحيفة الخرطوم 4\6\2001
د. هاشم مساوى
الفرق غير كبير بين الجامعة و السكة الحديد فالمؤسستان تعنيان بتأهيل الإنسان لآداء عمل ذي طابع تخصصى و بمهارة مكتسبة و مسؤلية محددة مع إعتماد الجامعة على الدراسة و السكة الحديد على الممارسة … والشبه أكثر من أربعين فى القلب و القالب و المعنى و المبنى …. فمبانى السكة الحديد و مبانى الجامعة الرئيسية متينة و صامدة عبر السنين و هى فى حد ذاتها رمز للرسوخ فى العلم و العمل و التماثل بينهما يتعدى الصورة الى الإطار فالأسوار المحيطة بالجامعة و البوابات الرئيسية تشبه الأسوار المحيطة بمحطات السكة الحديد الكبيرة و بواباتها الضخمة، و بوابة إسماعيل الشهيرة بعطبرة و مرور العمال بين الورش و السوق هو نفس مشهد الطلاب بين الجامعة و البركس و حشود الدراجات فى عطبرة يشبه تلك التى فى جامعات آخن و أكسفورد …. و كما أن لجامعة الخرطوم شعار U K فكذلك لسكك حديد السودان شعار S.R. مرسوماً على القاطرات الكبيرة و كل أشياء المصلحة وحتى أزرار الملابس الصغيرة … و كما أن الجامعة مقسمة لكليات و أقسام يتفاوت بها الجانب النظرى و العملى كذلك السكة الحديد بوحداتها و أقسامها الرئيسية: الورشة و الإدارة و الهندسة. فالورشة يتبع لها قسم السواقين و التجهيز و صيانة القاطرات و العربات و الإدارة و يتبع لها أقسام الحركة و البضائع و نظار المحطات و الكنترول الذى ينظم مسير القطارات و الهندسة و أشهر أقسامها الدريسة المسؤولة عن تركيب و صيانة قضبان السكة الحديد و حفظها من الأتربة و السيول …..
المفتشون و النظار يشبهون هيئة الأساتذة بالجامعة و كلمة أسطى المتداولة فى السكة الحديد تعادل كلمة أستاذ مع تغيير بسيط فى التركيب اللفظى فأصلهما واحد فى اللغة التركية و تعنيان المعلم …. أما الطلاب السواد الأعظم فى الجامعة فيقابلهم العمال بغالبيتهم العظمى فى السكة الحديد مع بعض الفوارق التى تكون فى صالح الجامعة أحياناً و فى صالح السكة الحديد فى كثير من الأحيان … فالعامل فى السكة الحديد أكثر شبهاً بالمعيد فى الجامعة من حيث أنه معلم ومتعلم فى ذات الوقت مع ترقيه و رقيه فى العمل و أكثر حركة فى رحاب الموسوعية من الطالب الذى يقيده ضيق التخصصات الأكاديمية.
المشابهة بين البراءة الطلابية و البساطة العمالية تتنقل بحرية كإلكترونات الذرة النشطة بين مدارات المظهر و نواة الجوهر و تبدو واضحة فى بساطة الملبس و المأكل فكما أن الجينز الأزرق هو اللبس الغالب فى زى الطلاب فهو الأبرول و زى العمال الأساسى و إن خالطته بقع الزيوت فإنما هى أوساخ لا تطال الطهارة و لو قصرت النظافة …. و عدس البركس معروف مثل فول عطبرة المبروك…. و العلاقة وطيدة عميقة بين فلس الطلاب الذى يهون فى سبيل غدٍ منشود و فقر العمال الراضى بحاضرٍ مشهود و الحياة عند المجموعتين بسيطة للعلاقة المباشرة بين الواقع و الحقيقة ، فالهم واحد و البرنامج اليومى رتيب مكرر كراتب الصوفى السالك فى الطريقة ، ما بين الغدو للعمل أو الدراسة فى الصباح الباكر و الرواح للمساكن البسيطة فى المساء الفاتر العامل كالٌ من عمل اليد و الطالب محصور فى واجب الغد …. و قد وصف المرحوم سليمان فارس مدينة عطبرة بأنها تنام على الحديدة و تصحى على الصفارة.
السكن فى أحياء السكة الحديد يشبه السكن الجامعى من حيث أنه جماعى و فريق قومى مشكل من مختلف أنحاء و قبائل و أجناس السودان و توجد فى محطات السكة الحديد الكبرى داخليات لصغار الموظفين و العمال … ولكن السكن الأسرى هو الغالب فى كل أحياء السكة الحديد من المحطة و لفريق القطاطى و يتفوق على السكن الجامعى بوجود النساء و الأطفال ليعطى الحياة الإجتماعية بعداً لا تصله الجامعة كماً و كيفاً … و الناس فى أحياء السكة الحديد أكثر ألفة و محبة للجيران و يجدون فيهم العوض عن الأهل و الأرحام الذين بعد عنهم المكان و طال بهم الزمان فاحتلت الجيرة محل العشيرة :
عشان كل الناس قراب
كل الناس أهل
و الماهم قراب قربهم العمل
المرأة و إن كانت لا تعمل مباشرة فى السكة الحديد مع الرجل مقارنة بالدراسة المختلطة فى الجامعة إلا أنها مرتبطة فى عملها المنزلى بنظام و مواعيد السكة الحديد و بصفارة العمال الكبيرة و صفارة القطار الصغيرة و أكثر التزاماً و انتظاماً من رجال الأعمال الحرة … و غياب الزوج المتكرر تعوضه المرأة بمزيد من المسؤلية و الإهتمام بتربية و تعليم الأطفال … و الأطفال اللذين يتعايشون مع جيران من مختلف الأجناس و القبائل بمختلف العادات و التقاليد و مختلف أنواع الطعام فى المائدة الواحدة من قمح الشمال الى دخن كردفان , ينشئون فى توازن إجتماعى و مرونة و هم أكثر قدرة على التسامح و تقبل طبائع الآخرين …. فاحتكاك الجهاز المناعى مع الأجسام الغريبة و منذ وقت مبكر يحصن الإنسان و يحميه ضد كثير من الأمراض , و هذه هى القاعدة العلمية للتطعيم …. و المتأمل فى الدراما السياسية لا يجد شخصيات متعصبة تسارع فى إستعمال العنف ضد الرأى الآخر قادمة من مثل هذه المجتمعات المتعددة و المتنوعة الجنسيات كأحياء السكة الحديد و أشباهها من تجمعات سكنية فى المشاريع الزراعية و مصانع السكر و قشلاقات البوليس … الخ و التسامح الذى اكتسبه مانديلا فى السبعينيات يكسبه هؤلاء الأطفال فى السابعة …. و معروف فى علم الأمراض أن الورم الناشىء من خلايا متنوعة polyclonal يكون حميداً عكس الأورام السرطانية التى تنبت من خلية واحدة monoclonal. و من التمارين المعتادة أن يستيقظ الطفل ليجد معه فى بيت السكة الحديد الضيق إمرأةً غريبة بأطفالها أنزلها قطار و فى انتظار قطار آخر و نحن قوم لا نستعمل الفنادق إلا فى شهر العسل.
و تزدهر الحياة الإجتماعية فى السكة الحديد بالأندية الإجتماعية و الثقافية المنتشرة فى المدن و المحطات و هى تشبه مقهى النشاط فى الجامعة و الجمعيات و الروابط المختلفة. أما إتحاد طلاب الجامعة بمساهماته الإجتماعية و إسهاماته السياسية فما أشبهه بنقابة عمال السكة الحديد و دورها الإجتماعى و السياسى … فخدمات النقابة شملت العلاج و تعليم الأبناء فى مدارس الخدمات الإجتماعية و غطت الإحتياج التموينى من المواد الغذائية و حتى الثلاجات و التلفزيونات بأسعار زهيدة تقارب التسعيرة الطلابية ….
الممارسات السياسية و الإنتخابات فى نقابة عمال السكة الحديد رائقة راقية و سمحة متسامحة تقيدها الزمالة و يضبطها الإخاء مقارنة بإنتخابات إتحاد الطلاب فى الجامعة التى تشوبها البغضاء و يسودها العداء و تسيل فيها الدماء خاصة إذا ما كان أحد الأطراف متواطئاً مع سلطة حاكمة أو حكومة متسلطة و لا يراعى فى الآخرين إلاًّ و لا ذمة و أحداث العنف فى السكة الحديد لا تذكر مقارنة بالجامعة رغم توفر كل أسلحته و أدواته من جميع أنواع و أشكال الحديد بما فى ذلك السيخ الذى ارتبط بأسماء بعض المجموعات و الأفراد فى الجامعة…. و عموماً فإن الأحزاب المتعصبة سواء ما تعصب منها فى الماضى أو ما زال يتعصب شعبيتها ضئيلة وسط عمال السكة الحديد لأن معظمهم يرفع شعار “حِب الكل و اعرف شيخك” و هو ما تعلموه من مشائخهم فى مختلف أنحاء السودان و قد شكل انتشار العمال مع قضبان السكة الحديد شبكة إنترنت و اتصال روحى بين الشيوخ و الصالحين فى حلفا و كسلا و سنكات و المسيد و الأبيض … الخ. فاستلهموا من قطارات الإكسبريس السباق و فى كل الإتجاهات و من المشائخ دلائل الخيرات ( و لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأتى بكم الله جميعاً إن الله على كل شىء ٍ قدير ) البقرة آية 148. فكانت المحصلة تعايش دنيوى و تسامح دينى أينما توجهه يأت بخير.
الحرس الجامعى جهاز أمنى خاص بالجامعة فقط يقابله بوليس السكة الحديد ذو الطابع التخصصى فى قضايا السكة الحديد فقط , فعساكر السكة الحديد لا يعملون فى مراكز الشرطة الأخرى و يحرسون قوانين السكة الحديد التى تراعى سلامة العاملين و المسافرين. و يوجد كتاب صغير اسمه االلائحة يحفظه العاملون عن ظهر قلب يتضمن كل النظم و القوانين التى تحكم العمل و تنظم الحركة, فالحوادث فى السكة الحديد قليلة كدليل وعى و إحساس بالمسئولية, و قد غاب حادث قطار أوبو الشهير فى الستينيات فى غمرة حوادث و أحداث الطرق و السيارات فى السبعينيات فقط دون العقود التالية.
تشكيلة الأجناس و القبائل فى أحياء السكة الحديد و فى أقسام العمل واضحة وضاحة مع زيادة نسبة بعض المجموعات فى قسم دون غيره كالمحس و الحلفاويين فى المرطبات و السنطور و احتكار الرباطاب للدريسة و كثرة الشايقية بين السواقين , و منظر البرنيطة (القبعة) الضخمة و هى تغطى بظلالها بعضاً من الشلخ السلم للكمسارى أو ناظر المحطة الذى غالباً ما يكون من الجعليين الهادئين بمنطقة بربر و الباوقة … و هو ذات المنظر الذى صوره هاشم صديق شعرا ً فى مسلسل قطار الهم:
حفظنا السكة محطة محطة
ود الحورى ود النيل و العطشان
و حتى الناظر و جرسه النايم
و لون المكتب و عغش الناس
الماشى يناهد بالكيمان
الوحدة الأساسية التى تؤدى الجامعة من خلالها رسالتها العلمية هى المحاضرة , جمهور من الطلاب و محاضر و موضوع علمى شارك فى إعداده طاقم الشعبة و وسائل ايضاح كالسبورة و مسلاط الشرائح ( بروجكتر)….. الوحدة الأساسية التى تؤدى السكة الحديد من خلالها رسالتها العملية هى القطار , جمهور من الركاب و العمال المقيمين و المرافقين الخ. … قطارات النقل البطيئة و البضاعة و قطارات الركاب بمسمياتها ذات الدلالة: إكسبرس حلفا , مشترك نيالا , مشترك كريمة , مشترك كسلا بورتسودان , محلى الخرطوم سنجة , محلى عطبرة أبو حمد , قطار بابنوسة واو , و قطار الباخرة ( كوستى) … الخ. …. هذه القطارات المسافرة عبر شبكة حديدية على امتداد الوطن لا ترى فيها عوجاً و لا أمتاً تشبه النيل سليل الفراديس و روافده فى الرسم على الخريطة و فى الإنسياب و توزيع الخيرات و رغم الصدأ و التآكل الذى أصاب حديدها من طيلة الوقوف فما زال النيل يستحثها بشعاره :
رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب و إن لم يجر لم يطب
حركة و انتشار فى ربوع سوداننا لا تنافسه الجامعة و إن استعانت بأخواتها الجامعات الخدج اللائى ولدن حديثاً فى بعض المدن ….
و لك أن تحسب عدداً من القطارات فى اليوم الواحد فى كل قطار ثلاثون عربة فى كل عربة عشرة قمرات فى كل قمرة ثمانية ركاب , و الله يضاعف ما يشاء , بينهم الدنقلاوى و الشايقى و الجعلى و الكاهلى و الجوامعى و الشكرى و الشلكاوي و النوباوى و الختمى و الأنصارى و الهلالابى و المريخابى ….. و قد اكتمل بينهم التعارف و التآلف و المودة و هم يتبادلون فوائد السفر الخمسة و نافذة القطار مثل البروجكتر (مسلاط الشرائح) فى قاعة المحاضرات تعرض المناظر المتنوعة و القطار يتهادى عبر الربا و المهاد و السافنا تتياين بين الغنى و الفقر و الحياة بين البدو والحضر و عمود التلفون هو الدالة الثابتة و القاسم المشترك لكل المناظر يشد الأسلاك التى تمثل العصب الحسى للسكة الحديد يتبادل من خلاله العمال شئون العمل و شجون الأهل …. بالله أى بحث دراسى و أى طرح سياسى يؤلف و يوحد بين هذا الخليط البشرى مثل السكة الحديد و هى تمثل النسيج الضام connective tissue الذى يربط بين أجزاء الجسم و أى وحدة وطنية لا تستفيد من الهدى النبوى فى التشبيه بالجسد الواحد الذى إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ….
طلاب الجامعة و خاصة فى الدفعة الواحدة يكونون و ما يخشى تفرقهم و لكن بعد التخرج لا يرجى تلاقيهم ما عدا القليل اللذين يواصلون فى الدراسات العليا. بالمقابل يظل الكثير من عمال السكة الحديد على ارتباط بعد المعاش و ربما شيدوا مساكن بل أحياء مثل حى العمال فى كسلا و سنار التقاطع و واصلوا حياتهم البسيطة و صلاتهم الطيبة على ذات المنوال.
للجامعة الدور المهم فى توفير الكوادر المؤهلة أكاديمياً و أثرت الحياة الفكرية و الفنية و ظلت مصدراً و منهلاً لأصناف الثقافة و الآداب بينما اكتفت السكة الحديد بدور الملهم لكثير من الأغانى و الأشعار و قليل من المؤلفات مثل من نافذة القطار لعبد الله الطيب و برنامج القطار للطيب محمد الطيب ….. و إذا ما ارتبطت بالجامعة بعض الأسماء فى مجال الغناء مثل حمد الريح و سيف الجامعة فالسكة الحديد يكفيها هنا عبد العزيز محمد داؤود الذى كان يعمل محولجى و وظيفة ناظر محطة بانتظاره بحكم أنه من بربر إذا واصل ترقيه فى السكة الحديد و رفيقه حسن خليفة العطبراوى الذى اشتهر بأناشيده الوطنية ليواكب الحس الوطنى للعمال و باللغة الفصيحة البيان ليرضى ذوقهم العالى رغم تعليمهم البسيط …. و على أية حال فإن السكة الحديد لم يكن بها فرعاً للتوجيه المعنوى كما فى بعض المؤسسات الأخرى التزاماً منها بالخلق السودانى الأصيل السوّاى ما حدّاث …
و عموماً فإنى أحرص أن أقف موقف الحكم الحكيم و أجلس مجلس القاضى العادل فأنا مدين للسكة الحديد بتربيتى و مدان للجامعة بتدريبى و أحسب أن العلاقة بين الجامعة و السكة الحديد هى علاقة تكاملية و ليست تنافسية و العمال عامة وعمال السكة الحديد خاصة و نساؤهم يكنون للجامعة الإحترام الممزوج إعجاباً و هم أحرص الفئات على تعليم أبنائهم …. أبناء عمال السكة الحديد فى الجامعة , قبل التغييرات الأخيرة فى التركيبة الإجتماعية , هم الأكثر فى الجامعة قبولاً و إقبالاً و الأكثر تقبلاً للآخرين أشخاصاً و أفكاراً …. و هو إحترام و إعجاب لا ينقص من إعتزاز العامل بخبرته العملية فى الممارسة و التدبير مقارنة بالمهندس الجديد بذخيرته العلمية و الذى يكثر من الآراء و التنظير كما هو الحال و شيل الحال مع محضر العملية القديم و طبيب الإمتياز الحديث و لسان حالهم يردد مع شوقى :
و كم منجب فى تلقى الدروس تلقى الحياة فلم ينجب
و قد أفادت السكة الحديد و استفادت من الكثيرين من خريجى الجامعة بما فى ذلك الكليات النظرية و لم ينس الوطن البر المتبادل بين السكة الحديد و موظفها خريج القانون الذى لم تشغله السياسة عنها فأطلقت اسمه مبارك زروق على أشهر وابوراتها , رحمهما الله.
و فيما يحكى أن امرأتين من نساء السكة الحديد التقتا بعد سنوات إثر تنقلات السكة الحديد المعهودة فقالت إحداهما بافتراء و تباهٍ لقد اشتغل ولدى قاضياً , فردت الأخرى و هى تغالب الحرج لأن ولدها لم يواصل تعليمه , ولدى شغال كمسارى فرملة لكن ماهيته مكفياه.
نأمل أن يرجع اليوم الذى تكفى فيه الماهية (الراتب) القليل المتصل و الذى هو خير من الكثير المنقطع كما جاء فى تعاليم المصطفى صلى الله عليه و سلم و كما شرحه الواقع عندما كان الإكتفاء هو طابع الموظفين و العمال و كان الراتب الشهرى على قلته هو أساس الإستقرار المادى و التخطيط البسيط لكل أسرة و بيت و كيف نرفع شعارات الوحدة الوطنية الكبيرة و نجرح شعور الوحدة فى الأسرة الصغيرة و كيف نتوجه حضارياً و أهل الحضارة المادية هم الأكثر حرصاً على السكة الحديد و أشباهها من المشاريع الجماعية الكبيرة و الشركات متعددة الجنسيات و التى بفضلها تخطت الدول الأوربية الوحدة الوطنية الى الوحدة الأوطانية بعد أن كانت تفرقهم الحروب العنصرية فى التاريخ القريب …. و بعد فهل هناك مؤتمر سلام أجدى سبيلاً و أصدق قيلاً من قطار واو … و إذا كانت أوربا بعيدة المنال و لا تصلح لضرب المثال فلننظر لسكك حديد زامبيا و تنزانيا و التى شارك فى بنائها خبراء أجانب من السودان ما زال بعضهم أحياءً يرزقون …. يرزقون من مصادر أخرى ضنينة بعد أن غيض راتب السكة الحديد و استوت قاطراتها على خط الشرك (قضيب هامشى على جانب المحطة للقاطرات و العربات التالفة ). كما يمكن المقارنة بدول الثراء الجديد الناضح من تحت الثرى و التى لم تنشىء شبكة للسكة الحديد تدعم وحدتها الوطنية و تؤلف بين قبائلها , فظلت كل جماعة منها ملتفة حول بئر نفطية و قصر مشيد فى مائة عام من العزلة أو يزيد رغم وحدة الدم و اللسان.
السكة الحديد مثل الجامعة لكل الوطن و ليست إحداهما أحب لأبيهما من الأخرى و الذين لم يلتحقوا بالسكة الحديد كعاملين ارتبطوا بها كمتعاملين و فى جغرافية المدارس الأولية كانت السكة الحديد إحدى سبل كسب العيش فى السودان و نحن نرتقى سلم الحضارة حسب التوجه الحضارى الذى فهمناه وقتها ….. بدأنا بمجتمعات الزراعة البسيطة و الرعى و تعرفنا بواسطة صديقنا محمد صالح على مشروع الجزيرة فى ود سلفاب و زرنا صديقنا إدريس التاجر بأم درمان و ختمنا بآخر الرحلات لصديقنا عبد الحميد سائق القطار و نحن نترنم بآخر أبيات النشيد الجزل فى القولد التقيت بالصديق:
آخر الرحلات كانت أتبره حيث ركبت من هناك القاطرة
سرت بها في سفر ٍ سعيد و كان سائقي عبد الحميد
أعجبت من تنفيذه الأوامر بدقة ليسلم المسافر
د. هاشم مساوى
المدينة المنورة (سنار التقاطع)
Tel.00966501126110. E. mail: hashimmissawi@hotmail.com