ثالثة الاثافى
د. عبد الماحد عبد القادر
تحكي الطرفة أن شاباً أحب إحدى البنات، وقرر أن يخطبها من أهلها…. ولكن أهله كانوا ينتظرون الوقت المناسب لتحديد الموعد وزيارة هؤلاء الناس وطلب يد البنت لابنهم … ويبدو أنه في ذات يوم توفيت إلى رحمة مولاها ة والدة العروس المطلوبة للزواج، وتقرر دفنها مساء فى مقابر حمد النيل … وأخونا العريس ذهب لمشاركة اهل محبوبته فى مصابهم الجلل وأن ” يرفع ليهم الفاتحة” … وهناك في المقابر بحث عن أهل محبوبته واحد واحد… أخوها وأبوها وعمها وخالها وجدها …ويبدو أنه قرر أن يستفيد من هذه اللمة الكبيرة ويكسب فرصة وجود والد العروس أثناء الدفن … وقال له يا “عمك أنا عايزك دقايق” وذهب به إلى مسافة لا تبعد كثيراً عن الذين يقومون بأعمال الحفر والدفن … وقال له بالحرف الواحد ” والله يا عمك أنا فلان الفلاني … ودي فرصة سعيدة ألاقيك … والحقيقة أنا بحب بنتكم هناية . ويكون لي عظيم الشرف أنك توافق على زواجنا… وتكون مشكور يا عمك ” …
وبالطبع فإن “عمك” خلع الجزمة وصار يضرب الولد على رأسه وكتفيه إلى أن جاءت مجموعة من الحفارين وأوقفوا الضرب المتكرر على الولد وطلبوا منه أن يخرج بعيداً عن المقابر … لأن المكان غير مناسب والزمان غير مناسب والوضع النفسي لكل الأطراف غير مواتٍ … فالأب يبكى على زوجته ويعمل على دفنها، وكذلك كل أهلها من الأعمام والأخوال وأبناء العمومة … ولابد أن العريس دا إما ” زول مجنون ” أو ” بليد” أو ” غبى ” أو في أحسن الحالات ” معتوه”…
ونلاحظ هذه الأيام إعلانات مكثفة في وسائل الإعلام المختلفة … خاصة الإذاعات من الصباح وحتى نهاية اليوم بعضها إعلانات صوتية ومعها أغنية وبعضها إعلان ومعه نشيد وبعضها معه هتاف… كل هذه الإعلانات تتحدث عن “البنوك”… بعضها يقول إن “بنكهم” هو الذي لا يُعلى عليه … وبعضها يقول إن بنكهم ” أحسن واحد “… وبعضها يقول إن بنكهم أكبر البنوك في توزيع الأرباح، وبعضهم يقول إن بنكهم مثل ” الألماظ” بالنسبة للبنوك الأخرى التي تشبه الفضة والنحاس ..
وبعضهم يقول لك ” تعال ومعك آخرون ” ويطلب منك في إلحاح أن تأتي بكل أهلك ومعارفك، لأن البنك سوف يعطيك أرباحاً لم يدفعها حتى يهود بني قريظة أو يهود بني قينقاع … وهنا نقول لهذه البنوك كلها بالتضامن والانفراد … فرادى وجماعات … يا جماعة عليكم الله أوقفوا الإعلانات التي تنادي وتصفكم بأنكم تقدمون خدمات مصرفية أفضل من ” تشيز مانهاتن، وويلز فارقو، واتش غس بي سي ، وهلم جرا…” ونرجوكم ونلح عليكم إلحاحاً ونصر عليكم إصراراً أن توقفوا الإعلانات الصباحية بالذات لأنها أولاً غير صادقة، وثانياً قاعدة تعمل لينا إحباط لكل باقي اليوم … والكضب حرام خاصة مع الصباح … وكيف يا سيدي مدير البنك الهمام تقول لي إنك ربحان وإنك توزع قيمة الأسهم في حينها، وإنك تلتزم بالضوابط والقوانين، في الوقت الذي لا تستطيع فيه أن تفي بطلبات العملاء من حساباتهم الجارية… ولا تفي بطلبات الزبائن من أرصدة الودائع عند الطلب… ولا تفي بطلبات الزبائن من حسابات الاستثمار والصراف الآلي … ولا تفي بطلبات العملاء من حسابات المرتبات والأجور ولا تفي حتى بألفين جنيه … كيف تطلب أن أستثمر عندك وأنت حتى الآن ولمدة شهرين مضت غير قادر على صرف خمسة آلاف جنيه من وديعة ادخار قيمتها مليار جنيه… سيدي المدير طلبك هذا يشبه طلب الولد الذي يريد أن يخطب البنت من والدها في المقابر عند دفن أمها…لذا أوقفوا الإعلان عن جدارة البنوك ونجاحها وأرباحها فهي ليست جديرة وليست ناجحة وليست رابحة … لا المكان مناسب ولا الزمان مناسب ولا الحالة النفسية مناسبة ولا المناسبة سعيدة ….
وأخيراً نطالب بهيكلة البنوك كلها وبالذّات بنك السودان ومن بعد ذلك مستعدون لاستقبال إعلاناتكم ودعاياتكم صباحاً ومساءً ….