ثالثة الاثافي
د.عبد القادر عبد الماجد
كلمة السرج عربية الأصل والمنشأ وردت كثيراً في المعلقات السبع وفي القاموس المحيط وفي المنجد.. وما يهمنا هنا ان السروج في بلاد السودان تتم صناعتها من خشب السنط والطلح والسيال والسلم وهي الأشجار الغالبة والسائدة في حزام الصمغ العربي والمنتجة للأخشاب والأصماغ وثقافة صناعة السروج دخلت السودان منذ ازمان سحيقة وقبل قيام مملكة البجراوية (كبوشية) المعروفة بمملكة مروي، وكانت أفخم السروج المصنعة للحصين والجمال والحمير عند الملكة (أماني شيكيتو) والملكة (أماني تيري) والمعروفتان بالكنداكة قبل خمسة آلاف عام.
وقد اشتهرت منطقة بربرخصوصاً بالنوعية الجديدة من الحمير والحمار (البربراوي) معروف بضخامة الجسم وسرعة الحركة على عكس الحمار (الدبزاوي) وهو نوع (دغل) من الحمير.. ولهذا فقد انتعشت صناعة السروج مع انتعاش تجارة الحمير.. وكان الكثيرون من سكان غرب افريقيا في نيجيريا والنيجر والسنغال وموريتانيا وتشاد وهم في طريقهم الى الحج يمرون بمراكز ونقاط بيع الحمير في بربر والدامر وشندي ومن هناك يقومون في شكل قوافل كبيرة تقطع الطريق مشياً الى سواكن العاصمة الرئيسية للبلاد.. واستعمال الحمير يعني بالضرورة ان المنطقة ما بين نهر النيل والبحر الاحمر لابد انها كانت مليئة بالاشجار وتتوفر فيها المياه نظراً لأن الحمير تحتاج الى الشرب مرتين أو مرة واحدة على الأقل في اليوم.
واشتهرت بعض القبائل والبيوتات بصناعة السروج ومنها جاء اشتقاق اسم (السروجي) ولاحقاً صارت مهنة السروجي تضم معها صناعة الكراسي وكل ما يحتاج الى اضافة الجلود مع الأخشاب.
والسرج المتوسط يزن ما بين خمسة وعشرين الى ثلاثين كيلوجراما من الأخشاب الناشفة ويتم قطعها من فروع وجذوع أشجار السنط والطلح ويتم ابدال السرج كل عامين أو ثلاثة حسب نوع الاستعمال حيث ان هناك سروجاً للزينة وسروجا للخدمة الزراعية وهناك سروج للحرب وللقتال.. وإذا قلنا إن الحمير والجمال والحصين في السودان في مجملها قد تصل الى عشرين مليون حيوان وأن نصفها قابل للركوب فهذا يعني أننا امام مشكلة بيئية تتمثل في صناعة عشرة ملايين سرج من الخشب كل عامين.. وهذه تمثل وزناً لا يقل عن ثلاثمائة مليون كيلوجرام من الخشب الناشف أي ان اجمالي وزن السروج بالسودان والمستهلكة كل عامين تعادل ثلاثمائة ألف طن وهذا يعني أننا يجب أن نقطع ونزيل من حزام الصمغ العربي اشجاراً يبلغ عددها مليون ونصف المليون شجرة كل عامين أي بمعدل سبعمائة وخمسين الف شجرة سنوياً لزوم صناعة السروج.. وإذا قلنا إن سعر السرج الواحد يعادل عشرين جنيهاً (بالقديم) فهذا بالضرورة يعني أن غابات حزام الصمغ العربي تمد الشعب السوداني بما قيمته مائتي مليار جنيه بالقديم (سروج بس).. ومن المؤكد أن وزارة المالية وهي تضع الميزانية كل عام لا تتذكر ان الغابات تمد الشعب بالسروج والعكاكيز والعصي وحطب الوقود وفحم الحريق وحطب المباني والابواب والشبابيك وسقوفات البيوت و”حطب الدخان” بما تبلغ قيمته اثنين مليار دولار كل عام وبالطبع لا نتذكر أن نضيف هذا العائد لصالح غابات السودان. ورجوعًا الى ما بدأنا به من أن ركاب سرجين وقاع فلابد أن نقول إن كل زعيم معارض ويمسك العصاية من النص وقلبه مع الحركة الشعبية وعينه على المؤتمر الوطني لابد أنه سيقع طالما ظل يركب سرجين ويمسك دربين وطالما ظل يتغدى مع (علي) ويتعشى مع (معاوية).