ثالثة الأثافي
د. عبد الماجد عبد القادر
مدير بنك ليوم واحد .؟!!!
رأيت فيما يرى النائمون أنني قد تسلمت خطاباً يفيد بتعييني مديراً عاماً لأحد البنوك وأن مجلس الإدارة رشحني لهذا المنصب ووافق البنك المركزي.. وقمت مسروراً في صباح اليوم التالي لأجد أن تلفوني السيار كان مليئاً برسائل التهانئ ممن أعرف وممن لا أعرف. بعضهم رجال وبعضهم نساء وبعض المهنئين من الشخصيات البارزة جداً جداً والتي لم أكن أحلم بأن يشيروا إليّ بالتحية… وهم اليوم يقولون لي “نهنئكم وأنفسنا بالمنصب الذي صادف أهله.. وسأمر عليك في المنزل” ..
وبذهابي لاستلام أعباء الوظيفة في اليوم التالي وجدت الصحف كلها وهي مليئة بالتهاني والتبريكات والإعلانات، بعض الإعلانات صادرة من زبائن والبعض صادر من مؤسسات والبعض من أعضاء المجلس والبعض من العاملين وبعضها من الأصدقاء “الجُدد”، وكلهم يشتركون في وصفي بأنني أذكى زول وأحسن زول ويهنئوني باختيار المسؤول الكبير لي لأكون على رأس هذه المؤسسة الهامة جداً.. ويصرون ويلحون أنني سوف أقفز بالمؤسسة قفزات سريعة فوق فوق جداً جداً. وقد جاءوا بصورة لي في أوضاع مختلفة.. مرة بالبنطلون ومرة بالبدلة ومرة بالصديري وأخرى بالجلابية وأخرى بالعراقي والسروال بس وعين الحسود فيها عود .
ومن أهم التهاني ما جاءت في صفحات كاملة سودت معظم الخمسين صحيفة وجعلتني أقف حيطة بالحيطة بجوار المسؤول الكبير جداً جداً هذا مع العلم بأن قيمة الإعلان في الصفحة لا يقل عن سبعة ملايين جنيه (بالقديم)… وفي عشرين صحيفة تكون التكلفة في يوم واحد مائة وأربعين مليون جنيه (بالقديم) وفي أسبوع تسعمائة وثمانين مليون جنيه (بالقديم) وهي كافية لسد احتياجات بعض المستشفيات ومكافحة مرض الكنكشة….
وجاءتني المكالمات من أعضاء المجلس وكل منهم يدعي أنه هو الذي رشحني للزول الكبير، وقال لي إن “عمك” مبسوط منك… وبالطبع كنت سعيداً جداً أن أسمع أن عمي مبسوط مني وهذه طبعاً أكبر من حكاية “الشريف مبسوط مني” …. وبالطبع كان عليّ أن أرد الحسنة بعشرة أمثالها وأن أطمئن السادة أعضاء المجلس بأن “كل حاجة تمام”.
وعند وصولي إلى البنك وجدت الجماعة كلهم وهم يقفون احتراماً وتعظيماً وبعضهم “شايل يافطة” تقول “الرجل المناسب في الموقع المناسب”.
وفي المكتب المخصص لي وجدت السكرتيرة والتي كانت “تطردني” عندما كنت زبوناً وجدتها وهي ترتجف “وتجري حفيانة”… وأخذت موقعي وجاءني “النادل” وهو يحمل الشاي والقهوة والفطور والكركدي والتبلدي والكولا وما لذ وطاب، وعلمت أن تجار الدولار واقفين بالصف يريدون المقابلة وعلمت أن أحدهم قد أرسل خمسة خرفان إلى منزلنا بعد أن أخذ الوصف من موظفي البنك.. وأحدهم شتم المدير السابق وقال إنه متزمت وكحيان وحفيان وقاعد يأكل براهو “والبياكل براهو يخنق” ” وأصلو زول مقطع ساكت “.
وفي ذاك اليوم وصلتني أكثر من عشرين دعوة لحضور حفل استقبال عشاء عند كبار تجار الدولار وبعض المصدرين والمستوردين، خاصة مستوردي مواد التجميل والبيرة بدون كحول والحلويات. وعندما رجعت إلى الدار عصراً وجدت أن المنزل قد امتلأ بالمهنئين من الأهل والمعارف ومن الزبائن، ووجدت الدفارات تقوم بإنزال جوالات السكر وصناديق الحلوى والبارد والخرفان وبعضهم جاب ناقة عديل.. ومن الغريب أنني لاحظت أيضاً وجود سيدات أعمال أحضر بعضهن الكيك والبسكويت والجاتوه، واحدة منهن كتبت اسمي على الكيكة. وفي اليوم الثاني ذهبت لحضور المؤتمر الهام والذي كان يرأس جلسته الافتتاحية نفس رئيس المجلس بتاعنا.. ويبدو أنني نسيت نفسي وقلت إن بنكنا يمتنع تماماً عن تمويل أعضاء المجلس، ويقاوم الفساد، وعينك ما تشوف إلا النور وجدت أمامي خطاباً يفيد بفصلي الفوري من وظيفة مدير البنك… ورأيت تجار الدولار وبتاعين الصادر والوارد وهم ينظرون إليّ شذراً والمرأة التي “جابت الكيكة” أخذتها ومشت… وصحوت من النوم مذعوراً وقلت اللهم أجعله خير وحمدت الله أن الأمر كان كابوساً في الحلم فقط لا غير… ومع ذلك فقد حزنت كثيراً لفقدان بعض الألقاب التي أطلقها عليّ التجار ورجال الأعمال وبعض الطفيليين مثل “اللورد”، الوجيه، الأرباب، العمدة، المدير، المك، الريس، العم، الخال، الكلس، والآن ينادونني باسمي “حاف” دون ألقاب.
شاهد أيضاً
نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا
أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …