ايكوسودان
وكأن دونالد ترامب سعيد البيت الأبيض كان ينقصه إلى جانب حروب الرسوم الجمركية والخلافات التجارية مع الحلفاء قبل الاعداء والصراعات العسكرية المتلهية فى غير بلد ما، حيث تورطت الامبراطورية الامريكية كما من مصاعبه الداخلية والوقت اللازم لمتابعة موقع تويتر والتغريد عن الاحداث عبره هكذا يريد رئيس التنفيذى لمجلس وزراء جلالته ان يغرد على التويتر كما هائلا من التغريدات كأن الشعب مغرما بالتغريد على التويتر بدلا عن البحث عن حلول ناجعة للازمة الاقتصادية التى تعانى منها البلاد فى سبيل الحصول على خبز يسد الرمق وتتحول التغريدات إلى اشمئزاز.
وللحصول على مقاربات دعونا ان نقف على خارطة طريق الآخرين لنأتى الى هؤلاء الصينيون الغامضون بقرارهم الخروج من قمقم سورهم العظيم الذى تواروا خلفه منذ 200 عام بعد ان شكلوا حضوراً متميزاً فى المشهد الاقتصادى الدولى رقما يرعب الامركان فى المشهد الاقتصادى العالمى المتميز، فى هجوم اعلام شامل يستهدف قلب قواعد اللعبة نهائيا هذه المرة معتمرين جبهة الميديا التى طالما احتكرها الغرب وحولها إلى مصنع بروباغندا هائلا يكرس هيمنته على الاطراف فى دول الجنوب.
الصينيون الذين يدرسون الامور يتمعن وعن كثب امنوا بفكرة المفكر الراحل سمير امين ان احتكار ادوات الاعلام كان احد ادوات خمس تكن للغرب من استدامة غلبته على الكوكب إلى جانب اسلحة الدمار الشامل والنظام المالى العالمى والتكنولوجيا المتقدمة والموارد الطبيعية الاستراتيجية وهم لذلك قرروا قبول التحدى فى ملعب المرئي والمسموع والمقروء مرة واحدة من خلال اطلاق صوت الصين الذى سيكون اكبر مؤسسة إعلامية على الاطلاق يتقزم معها اي مشروع غربى بما فيه بيوتات البروباغندا الاشهر كـ «بي بي سي» والــ «سي أن أن» المؤسسة الجديدة التى نقلت اليها بالفعل ادارة كل منظمات الاعلام الرسمى الصينى من قنوات تلفزيونية ومحطات اذاعية ومواقع اخبارية وهيئات سينمائية رصدت لها ميزانيات هائلة بكل المقاييس سيضم جيشا لا يقل تعداده عن 15 الف صحفي ومراسل وسيكون لها عشرات المكاتب المجهزة فى عواصم العالم الرئيسية وستبث على مدار الساعة، محتوى متقدما عبر مختلف المنصاب بــ 60 لغة الصينيون لا يخفون اهدافهم من هذا الهجوم «الناعم» الواسع النطاق.
الجزء الأول من هذه المهمة الاعلامية والهجوم هو بناء صورة ايجابية عن بلادهم سياسية وثقافية واقتصادية وفيما فى المخيال العالمى كنوع من بناء قواعد القوة الناعمة وهو امر تقوم به بالطبع كل امم العالم المناهضة من الولايات المتحدة مروراً بدول اوروبا الكبرى انتهاء بالدول الطامحة كروسيا وتركيا والهند وغيرها لكن الجزء الثانى من تلك المهمة الاعلامية والذى يبنى بالضرورة على نجاح الجزء الأول هو الأخطر ويقضى بشن مواجهة مباشرة وصريحة مع حرب البروباغندا الامريكية، والتصدى لها فى كل قارات العالم الست منصة منصة زنقة زنقة على قول العقيد.
ويعتبرون بأنهم لن يكتفوا بعد الان بمجرد استقبال ادوات القوة «الناعمة» الامريكية كمتلقين بل هم سيشنوا هجوما مضاداً بادوات القوة «الثاقبة» كما يسميها القادة الصينيون وسيتصدون لبضاعة «الحلم الامريكى الجميل» ببضاعة «الحلم الصينى الأجمل» «صوت الصين» ليس بالطبع سوى واحد من مجموعة استراتيجيات توظفها الحكومة الصينية فى السنوات الاخيرة لزيادة النفوذ الثقافى لبلدها عبر العالم فهى اطلقت عدة مبادرات اعلامية للتعريف بــ «طريق الحرير» الجديد العابر للعالم القديم من اقصاه إلى اقصاه وقبل سنوات قليلة افتتح اكثر من 1500 مركز ثقافى صينى فى مختلف مدن العالم «تسمى مراكز كونفوسيوش» توفر فرص تعلم «اللغة» تدرس كل عام ما يزيد 1.5 مليون من الراغبين وتفتح بوابات للتبادل الفنى والادبى والموسيقى لكن حجم الاستثمار المخصص تحديداً لـــ «صوت الصين» يشير بوضوح إلى ان فضاء الاعلام العالمى سيكون موضوع اهتمام استثنائي لدى القيادة الصينية خلال القادم من السنوات.
أردت بهذ السرد المؤجز السالف ان القى ببعض المعلومات وعن اهمية الاعلام فى حياة الشعوب ثقافيا وسياسيا واقتصادياً وللسلطة الحاكمة فى بلادنا والتى تسعى من وقت لأخر لتكبيل الاعلام وقهره ومنعه ومصادرته بل النظر اليه بالدونية بل تكميم الافواه وتقبيره ومنع حرية التعبير ولا يدرون ان المسعى الذى يسلكونه سيرتد شراً مستطيراً عليها كيف لا!! ففي الوقت الذى كانت تبث قناة ابوظبى الرياضية عن السودان ماعجزت عنه كل الاعلام السودانى بقطاعاته المختلفة من مسموعة ومرئية وغيرها بما فيها تغريدات المسؤول الاول فى التويتر الذى اصبح شاغله الاول وهو تيمنا بالشيح ترامب تاركا امر الاقتصاد وهو المعنى بالامر لخطاباته الجماهيرية وفى الوقت نفسه يعانى المواطن السودانى للحصول على خبز يكفيه من جوع اطفاله وصفوف الوقود والصرافات الخاوية والبطون الجائعة حيث لم يهتم هذه السلطة الحاكمة إلا بمواضيع لاشغال الناس عن مهامها الاساسية حيث اتجه كل قيادات الدولة نحو برلمان التبصيم للتوقيع على الميثاق الشرفى للصحافة السودانية والذى يعنى وضع القيود امام الصحفى ووضع المتاريس بالخطوط الحمر ومصادرة حرية التفكير والكتابة فلا ندرى عن أي اعلام يتحدثون؟.
فالاعلام الحر هو الذى يبصر الحكام وينير طريقهم ويرشدهم إلى موقع الداء وهو الذى يقود الشعوب وينير الدروب وهو الذى يقدم الدولة لدى المجتمع الدولى كما قدمت القناة الامارتية السودان فى عيون مشاهديها بابهج صورة سياسية وموارد اقتصادية وسياحية حتى ذهل المشاهد السودانى لجمال البلاد ومواردها قبل الغريب يسأل نفسه احقا هذا هو السودان الذى نعيش فيه ونشرب من نيله وبعد هذا وعن اي شرف وان اي إعلام تتحدثون وتضعون له ميثاق شرف هل الشمولية والديكتاتورية شرف ام للمصادرة شرف ام ايقاف الصحفى عن الكتابة شرف لست ادرى!! ان الافتقار إلى الوعى والثقافة يجعل الشعب عاجزاً عن فهم قضاياه الحقيقية فيتم التلاعب به والهاؤه باشياء هامشية ليست من صميم ازماته الحارقة ومن يرغب فى الحكم عن طريق مفاهيم اخلاقية من قبيل الدين أو الصداقة أو الثقة أو الحب فهو يتستر بمفاهيم فضفاضة توصل لا محالة إلى الطغيان والديكتاتورية فتلك مسميات استبدادية تخدم الفرد الحاكم ويطوع بها الجميع حسب خياراته وينتهى الامر بترانيم معهودة انت الزعيم ولا غيرك لادارة المرحلة ولأمن البلاد نفوضك مدى الحياة وانت أو لا أحد، وهكذا تصنع الشعوب اصنامها من الديكتاتوريين فالحاكم لا يولد ديكتاتوراً مستبداً ولكن فى غياب القوانين أو تفصيلها ووعى الشعوب ويقظته ينمو التسلط ويزداد التغول وتتعفن الحياة السياسية.
الحياة الديمقراطية هي ممارسة وليست قوالب جاهزة يجب اتباعها ومن البديهى ضمن اطار الممارسة الديمقراطية ان يخطى الشعب فى خياراته واختباراته وعليه ان يتعلم من اخطائه ليصلح منظومة الحكم ان ارادها ان تكون مواطنيه والاهم الوعى بالحقوق السياسية لاجل تطبيق الديمقراطية التى تعكسها لحظة تحول الحالة الوطنية من شعب فى خدمة النظام إلى نظام فى خدمة الشعب مع إذكاء صفة المواطنة والتخلص من السلطة الرعوية ومقولة المستبد العادل الخاطئة فى جوهرها التى تحاول ان تجعل من الاستبداد الذى يحوى الظلم فى داخله إلى حاكم عادل وتلك مفارقة التنظير والتبرير الحاصل تاريخيا ووثائقيا.
المسألة تحسم عمليا فى معاملة الناس على انهم مواطنون لا رعايا ولا يكون ذلك بدون ضمان الحريات العامة وحقوق الانسان وتهيئة الارضية للتعددية السياسية والثقافية وتمثيل الشعب تمثيلا حقيقيا يضمن ان يكون له رأي فى خيارات بلاده الاقتصادية والاجتماعية وتجنب الاقصاء والاحادية فى الرأي والتصرف ولا ترغب فى نظام تزرع فى المواطن واعيا زائفا بامكانية التغيير للافضل اقتصاديا وسياسيا ويصبح الخطاب الديمقراطي التصالحى الذى يتم تسويقه مجرد خطاب استهلالكى ديماغوجي يلهى الجماهير ويسيرها كقطيع نحو الحظيرة.
ما تشهده اليوم فى الفضاء الجيبوبوليتكى السودانى تزايد القطيعة بين الدولة والمجتمع وتراجع ثقة الناس فى الحكام وتنامى اللجوء الى العنف ولغة القوة من قبل الدولة التى يخول لها أن تحتكر العنف الشرعى.
شاهد أيضاً
نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا
أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …