صرخة نملة/ د. أمجد عبد السلام
إن سلطات الدولة تنقسم إلى ثلاث سلطات، قضائية وتنفيذية وتشريعية، وقد وضعت الوثيقة الدستورية خارطة طريق لعمل تلك السلطات في السودان أبان التخلص من حكم دكتاتوري شمولي عبث في تلك السلطات، حتى صارت الدولة تدار من قبل شرزمة سيطروا على كل مقاليد الحكم؛ وقد شهدنا بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية تعيين رئيس القضاء وتم تشكيل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، إلا أن هناك هياكل لا تقل ضرورة عن ما تم إنفاذه من تشكيل أو تعيين، وهذه الهياكل تتمثل في المحكمة الدستورية كمحور أخر للهيكلة السلطة القضائية، وتعيين الولاة كتكملة للسلطة التنفيذية ومستويات الحكم، وتشكيل المجلس التشريعي كممثل للسلطة التشريعية، وبإنقاص ذلك نعيش في فراغ كبير أدى إلى إخفاق الحكم الإنتقالي حتى هذه اللحظة.
إن المجلس التشريعي يمثل السلطة التشريعية في الدولة، وهو بدوره يمارس سلطات عديدة مثل سن القوانين والتشريعات, والمصادقة على الإتفاقيات والمعاهدات الثنائية والإقليمية والدولية؛ كما يختص أيضاً بمراقبة أداء مجلس الوزراء ومساءلته وسحب الثقة منه أو من أحد أعضائه وهذا الإختصاص الذي سلبته السلطة التنفيذية جعلني أصرخ في أذن الثورة مرشداً إلى موضع الثقرة التي يدخل منها إخفاق الحكومة الإنتقالية ويتسرب معها الملتفين على الثورة، وهذه الثقرة أتاحت الفرصة للدولة العميقة أن تعبث في الأرض فسادا وتشكك في مكتسبات الثورة، فلو كان هناك مجلس تشريعي لما تقاعص بعض الوزراء ولما تناسوا متطلبات الفترة الإنتقالية وتسارع الأحداث والتصدي للدولة العميقة حتى لو تمثلت في الشريك الأخر.
أخفقت الحكومة الإنتقالية في تطبيق الوثيقة الدستورية التي إشترطت تشكيل المجلس التشريعي في فترة لا تتجاوز تسعين يوماً من تاريخ التوقيع على الوثيقة الدستورية، وهاهي تمر ثمانية أشهر والسلطة التنفيذية تتعدى على السلطة التشريعية بممارسة سلطاتها بناء على النص المعدل في الوثيقة في المادة (25/3) التي جعلت أيلولة سلطات المجلس التشريعي إلى إجتماع مجلسي السيادة والوزراء إلى حين تشكيله، ويصدر قرارهم بالتوافق أو بأغلبية ثلثي الأعضاء، فسؤال يفرض نفسه على نطاق الإصلاح وتصحيح المسار، كيف للسلطة التنفيذية أن تراقب أدائها ومساءلة من يقصر منها بعد تعديها على إختصاص المجلس التشريعي؟؛ لذا لابد من إستكمال هياكل السلطة وأهمها السلطة التشريعية بمراعاة القوة التي تفرضها والأهمية التي تتسم بها دون أي تلاعب أو عشوائية أو محسوبية أياً كان نوعها، مع إستصحاب بأن حق الإختيار الذي منح لقوى الحرية والتغيير في الوثيقة الدستورية لا يعطيها الحق في المحاصصات أو إقصر الإختيار على من يواليها أو كان موقعاً على الإعلان، فالشعب السوداني -بإستثناء منتسبي النظام البائد أو شركائه- لهم الحق في أن يشكلوا العين الساهرة التي تحرس ثورة ديسمبر المجيدة، والقابضون على جمر القضية بحق أحق بذلك، لذا لابد من آليات واضحة وشفافة في إختيار المجلس التشريعي ، وإلا سنعود إلى المربع الأول ونحكم على هذه الفترة الإنتقالية بالهشاشة التي تنكسر أمام أقل رياح.
إن تشكيل المجلس التشريعي في أقرب فترة زمنية يعالج العديد من الإخفاقات، منها محاسبة الوزراء الذين يقصرون في أداء مهامهم ومن الممكن أن يصل الأمر إلى سحب الثقة عن أياً منهم إذا لم تكن كفاءته بحجم الوزارة، وكذلك بإمكان المجلس التشريعي أن يسن قانون مجلس القضاء العالي الذي يقوم بدوره بتعيين رئيس القضاء وتشكيل المحكمة الدستورية والإصلاح المؤسسي والتشريعي في السلطة القضائية، وكذلك من الإمكان ترشيح الولاة عبره ويكون هو الضابط لترشيحاتهم، والذين بغيابهم شهدنا فراغ حكومي كبير جداً، على المستوى الولائي والمستوى المحلي؛ ومع كل ذلك سنظل عضدا لهذه الحكومة الإنتقالية التي سنبحر معها فوق بحار التحديات ونجدف انتقاداً لتصحيح المسار حتى نرسوا على ضفاف دولة السودان العظمى ونستنشق نسائم الديمقراطية .
#إستكمال_هياكل_السلطة #المجلس_التشريعي_للشعب #أدركوا_الفراغ_الحكومي5مايو2020م.