تقرير// أمل عبد الحميد
الخرطوم-15-6-2020(سونا)- ما سجل التاريخ الا حوادث قليلة لرجال اتيح لهم حق الاقتصاص والتشفي من جلاديهم وقالوا لا نفعل، لا من ضعف وانماعن قوة و ارساء لمبدأ؛ من هؤلاء اثنين من قضاة السودان ممن نكل بهم نظام الانقاذ واتتهم الان الفرصة منقادة لكنهم ردوها في كبرياء وليحافظوا على نصاعة تاريخ القضاء السوداني و ثباتا على المبادئ التي دفعت بالانقاذيين الى احالتهم للمعاش اصلا.
احد الاثنين رجل حاج بان ولي الامر الأعلى في البلاد من آل بيته فان هو عاد الى الخدمة لربما طافت بذهن الناس شبهة وربما انتاش الثورة من تلقائه شئ من قبيل المحاباة و المحاصصة لذلك قال ما معناه:اني لا اعود و يكفيني رد اعتباري المعنوي.
اما الاخر فقال انه ما انفك بعد ان اقصته الانقاذ ظلما وتجبرا ان انتقدها وهشم اصنام حججها السياسية وفي ذلك فقد دخل السياسة من بابها الواسع فلا يحق له من بعد ان يعود الي كرسي القاضي الذي يفترض فيه ان يكون على الحياد سياسيا و مجتمعيا ودينيا لذلك فهو لن يعود و يكفيه رد اعتباره المعنوي ويكفيه الحفاظ علي مبدا حياد القضاء السوداني ونصاعته.
اما الاول فهو مولانا حسن البرهان عبد الرحمن واما الثاني فهو مولانا سيف الدولة حمدناالله
قاضيان اضافا لبنة لتاريخ القضاء السوداني الذي يعود إلى أكثر من خمسمائة عام تعاقبت خلالها أنظمة حكومية مختلفة طبقت عدد من الدساتير ظل فيها القضاء السوداني مستقلا استقلالا كاملا و أسهم في نقل تجربته إلى عدد من دول العالم التي لعب فيها القضاة دورا بارزا و وكان للقضاء دورمشهود في مقاومة الحكومات الديكتاتورية التي ربما سعت لتدجينه وآخرها الحكومة السابقة التي سعت إلى تدمير وزرع الفساد داخل النظام القضائي حيث فصلت المئات من القضاة المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة واستبدلتهم بموالين لها.
عقب تفجر ثورة ديسمبر المجيدة والتي جاءت تنشد العدالة وضمنتها شعاراتها (حرية .. سلام وعدالة) كانت احدى الاولويات إصلاح النظام القضائي وإعادته لسيرته الأولى بإعادة خمسة وعشرين قاضيا للخدمة بالسلطة القضائية من المفصولين تعسفيا واعادة تعيينهم قضاة بالمحكمة العليا وهو القرار الذي أصدرته المفوضية القومية للخدمة القضائية في أول اجتماع لها برئاسة مولانا نعمات عبد الله محمد خير رئيس القضاء ورئيس المفوضية القومية للخدمة القضائية .
قرار الإعادة للخدمة الذي رد الاعتبار للمفصولين، قابله القضاة بارتياح وترحيب واسعين الا ان اخرين توقفوا عنده و ارسلوا رسائل قوية بالاعتذار عن قبول الوظيفة معللين ذلك باسباب تدفع بدماء جديدة في شرايين الثقة بالقضاء السوداني و حياده
المحامي (حسن البرهان عبد الرحمن) عنون رسالته لجميع زملائه في المهن القانونية ولأهله ومعارفه وأصدقائه وضمنها اعتذاره مبينا أن قرار إعادة المفصولين تعسفيا والمستقيلين بسبب مواقف معينة يعد ردا لاعتبارهم وانصافا لهم وتأكيدا على حرص الثورة على حفظ هيبة القضاء واستقلاله وأضاف بأن اعتذاره عن قبول الإعادة للعمل يأتي لما يقتضيه وضعه الأسري وما يقتضيه العمل على توطيد مفهوم إبعاد القضاء عن تأثيرات السلطات الأخرى لضمان نزاهة واستقلالية القضاء.
و نبه البرهان ( المحامي ) الأخوات و الأخوة في المهن القانونية بمختلف ضروبها، الاهل ، الأصدقاء و المعارف في شتى مناحي الحياة.. بانهم لابد و ان طالعوا في الوسائط خبر اعادته للعمل بالهيئة القضائية كقاض بالمحكمة العليا ضمن كشف شمل إعادة عدد من القضاة تم فصلهم تعسفيا او استقالوا لمواقف محددة في عهد النظام المباد
و شكر البرهان المفوضية القومية للخدمة القضائية، التي قال انها انصفت الزميلات و الزملاء من القضاة الذين فصلهم النظام المباد و هم في اوج البذل و العطاء و نوه الى ان إعادتهم للخدمة تضخ دماء عزيزة و مخلصة في جسد القضاء، الذي يتأهب لمراحل حاسمة في تاريخه الحديث، تتمثل في الاقتصاص للشهداء، ومحاسبة من أفسد او اجرم في حق هذا الشعب.
و اضاف حسن البرهان عبدالرحمن ان قرار إعادة القضاة – المفصولين تعسفيا والمستقيلين بسبب مواقف معينة – و من ضمنهم شخصه يعتبر “ردا لاعتبارنا و انصافا لاشخاصنا ، و تأكيدا على حرص الثورة على رد هيبة القضاء و استقلاله، و تطبيقا عمليا لشعارات الثورة (حرية، سلام و عدالة)”
و لكنه شدد انه رغم عميق امتنانه للمفوضية الموقرة لانصافها له و رفع ظلم حاق به لثلاثين عام من السنوات العجاف، “الا انني اعتذر للسيدة رئيس القضاء و رئيس وأعضاء المفوضية الموقرين، و لزملائي المعادين للخدمة، و للسادة قضاة المحكمة العليا، و للأهل و الأصدقاء و لمعارفي من جماهير الشعب السوداني الوفي عن قبول الاعادة للعمل في المحكمة العليا الموقرة، و ذلك لما يقتضيه وضعي الأسرى المعروف لدي الكثيرين، و الذي يقتضي العمل على توطيد مفهوم و قيمة أبعاد القضاء عن تاثيرات السلطات الأخرى، سياسية، تنفيذية كانت أم تشريعية، رغم الثقة في عدم إمكانية حدوث ذلك.”
واما الهرم الاخر والرئة الثانية في هذا القرار الاول من نوعه فهو مولانا سيف الدولة حمدناالله الذي اعتذر “حتى لا يقدح في حياد وعدالة قضاء الثورة !!” اكد فيها أن مفهوم حياد القاضي لا يعني أن تكون للقاضي القناعة بالجلوس على المنصة أو أن يصدر أوامره على الأوراق، ولكنه مفهوم يتسع ليشمل ضرورة إطمئنان الخصوم والاطراف إلى أن ليس من بين القضاة من يمتلك عقيدة مسبقة حول القضايا التي تنظرها المحاكم.
وأردف معللاً :” أنني قد جاهرت بإعلان رأيي عبر الكتابة الصحفية في كثير من القضايا التي قد يكون لها إرتباط بالمراكز القانونية لأشخاص لديهم قضايا أمام المحاكم، بما يفتح الباب للقدح والنيل من الحياد المطلوب في قضاء عهد الثورة”.
وأعلن سيف الدولة ايضا الاكتفاء بما تحقق من إنصاف أدبي من قرار إعادته للخدمة، وعزمه على عدم مباشرة أعمال القضاء على أرض الواقع، حتى لا يتسبب ذلك في فتح الباب للتشكيك في حيدة وعدالة القضاء.
رسائل الاعتذار التي أثلجت الصدور بالرغم خسارة النظام القضائي لكفاءات اسهمت في إرساء أسس العدالة سابقا ؛ إلا أنها أيضا ترسي مبدأ للزهد والورع تستدعيها رسالة العدل وتستوجبها مكانة القضاة