أكد الباحث سيباستيان أبيس المدير العام لنادي التفكير في الزراعة “ديميتر” والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية “إيريس”، أن القمح وهو من الحبوب الرئيسة في غذاء مليارات البشر، يقع في صلب النزاع في الأسواق العالمية التي هزتها الحرب في أوكرانيا وعواقبها.
وبحسب “الفرنسية”، أوضح أبيس أن “لا شيء يعوض غياب أوكرانيا”، مشددا على أن خطرا مستداما يخيم على الأمن الغذائي للدول الهشة في ظل الارتفاع المفاجئ في الأسعار وإجراءات الحماية.
وبشأن استبدال القمح، قال إنه أمر صعب جدا، حيث إن القمح حبوب رئيسة في مجال الأمن الغذائي العالمي، يستهلكها مليارات البشر على شكل خبز أو دقيق أو سميد. يزداد إنتاج الذرة ولكنها تستخدم خصوصا لتغذية الحيوانات أو للاحتياجات الصناعية.
وأضاف “بعيدا عن الجانب الغذائي، يبقى القمح منتجا اجتماعيا وديمقراطيا إلى حد كبير، إذ يسمح بصنع طعام بتكلفة منخفضة، وغالبا ما يكون مدعوما، لكن بلغت أسعاره مستويات تجعله غير متاح لبعض الدول مثل لبنان أو اليمن، لأنه ينقص ولا نستطيع إنتاج القمح في كل مكان”.
وتابع “يتم إنتاجه في مناخ معتدل، ولا يوجد سوى نحو عشر دول تنتجه بكثرة ويمكنها التصدير، ولا سيما روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وأستراليا. وفي الأعوام الأخيرة، خفضت الولايات المتحدة إنتاجها لأنها فضلت الذرة وفول الصويا”.
وأشار إلى أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، باتت أوكرانيا وروسيا أكثر الدول المنتجة للقمح، وشكلت أوكرانيا في الأعوام الأخيرة ما بين 12 إلى 13 في المائة من إجمالي صادرات القمح العالمية.
وحول تساؤل: هل يكفي غياب أوكرانيا عن الأسواق لشرح الموقف؟ قال “لدينا سياق جيوسياسي مروع، فتعددية الأطراف تعاني نكسة، تضاف إليها فترات مناخية مقلقة، وموجات جفاف شديدة في جنوب حوض البحر المتوسط، وقلق في الولايات المتحدة وأوروبا. وتعاني الهند التي تمتعت بحصاد استثنائي العام الماضي ومخزون سمح لها بطرح محاصيل إضافية في الأسواق جفافا قاسيا ولن تتمكن من التصدير”.
وتتابع الأسعار ارتفاعها، علما أنها كانت مرتفعة قبل الحرب. وبلغ سعر القمح 440 يورو للطن في يورونكست.
وفيما يتعلق بإعلان الهند حظر صادراتها من القمح، أوضح أن “الهند أعلنت بشكل مبالغ فيه إلى حد ما تصدير عشرة ملايين طن هذا العام، وكانت البلاد قد تعهدت بتصدير ما بين 3 إلى 3,5 مليون طن قبل فرضها الحظر، وبالتالي يجب معرفة ما إذا كانت ستحترم التزاماتها”.
ولفت إلى أن الوضع متوتر لأنه ليس هناك دولة قادرة على التصدير أكثر من المعتاد. قد تفعل روسيا ذلك إذا حظيت بمحصول جيد. ولكن حتى إذا توقفت الحرب، لن تستعيد أوكرانيا طاقاتها الإنتاجية والتصديرية على الفور.
وبشأن ذروة الأزمة قبل الحصاد الأمريكي والأوروبي هذا الصيف، بين أن “العالم يواجه مخاطر حقيقية وطويلة الأمد. لم نر بعد كل الهزات لأننا نشهد في الأسواق العالمية منذ شهرين، تنفيذ عقود موقعة قبل التدخل الروسي. الآن ندخل المرحلة الصعبة”.
وحول وضع المخزون بالنسبة للقمح، أشار إلى أن هناك 270 مليون طن من المخزون على كوكب يستهلك 800 مليون طن سنويا. أكثر من النصف في الصين، التي تتمتع بمخزون يكفيها لمدة عام، ومن دون احتساب الصين، تعد جميع مخزونات الحبوب عند أدنى مستوياتها منذ 25 عاما.
وأكد أنه يجب الحفاظ على التضامن والتعاون الدوليين. لا يمكن ترك الدول في مأزق بشأن أمنها الغذائي، وفي الوقت عينه، لا ينبغي أن نتفاجأ لوجود دول تضع أمنها القومي فوق كل اعتبار، ويجب الإنتاج حيثما أمكن الإنتاج، ولا سيما في إفريقيا، لكن من أجل تحقيق ذلك نحتاج إلى السلام والأمن.
دعم دولي للأمن الغذائي
في سياق متصل، أعلن البنك الدولي الأربعاء أنه خصص 12 مليار دولار على مدى الـ15 شهرا المقبلة على مشاريع جديدة لمعالجة أزمة الغذاء العالمية التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا.
وأوضح في بيان أن الجزء الأكبر من هذه الموارد سيذهب إلى دول في إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية ووسط آسيا وجنوبها، مضيفة أن من شأن المساعدات أن تدعم الزراعة في تلك الدول “والحماية الاجتماعية للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية” ودعم مشاريع إمداد بالمياه والري.
إلى ذلك، عززت شركة “سوفإيكون” الروسية للاستشارات الزراعية توقعاتها لمحصول روسيا من القمح في 2022 حيث قامت بتقدير الزيادة بواقع 1.2 مليون طن، وأصبحت تتوقع أن يصل لمستوى قياسي عند 88.6 مليون طن.
وأرجعت الشركة تعزيز التوقعات “للحالة الممتازة للمحصول الشتوي وزيادة مساحة القمح الربيعي”.
ونقلت وكالة بلومبيرج للأنباء عن المدير الإداري أندريه سيزوف القول إن وضعية محصول القمح جيدة في كافة المناطق تقريبا، فضلا عن احتياطيات المياه في التربة التي تصل إلى المعدلات المتوسطة أو حتى تتجاوزها.
وأضاف في بيان “بالنظر إلى تنبؤات الطقس للأسابيع المقبلة، فإننا لا نستبعد احتمال أن نرفع التوقعات مرة أخرى”.
ألمانيا تدعو إلى التحرك
ودعت أنالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية إلى تحرك دولي منسق لمواجهة أزمة الجوع التي توشك أن تقع نتيجة الحصار الروسي المفروض على صادرات الحبوب الأوكرانية.
وقبل توجهها إلى نيويورك، قالت السياسية المنتمية إلى حزب الخضر “من الضروري أن نتحرك كمجتمع دولي بسرعة وبشكل منسق وبخطوات ملموسة”.
وبيربوك ستشارك في نيويورك في اجتماع في الأمم المتحدة حول الأمن الغذائي، وهو الاجتماع الذي دعا إليه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نحو 35 دولة بينها دول تضررت شعوبها بأشد ما يكون من هذه الأزمة.
ورأت بيربوك أن السبب في عدم إمكانية توريد الحبوب التي تحتاج إليها السوق العالمية بشكل عاجل يتمثل في تبوير الحقول الأوكرانية وتدمير مخازن الحبوب وقصف طرق النقل وإغلاق الموانئ بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأضافت بيربوك أن الحرب الروسية على أوكرانيا تسببت في ارتفاع أسعار القمح والذرة وزيت الطعام بشكل كبير مشيرة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يضر بذلك بالدول الأفقر في العالم على أقسى نحو.
ولفتت بيربوك إلى أن بوتين أضر بهؤلاء الذين عانوا بالفعل موجات الجفاف وأزمة المناخ والتداعيات الاقتصادية لكورونا والمحتاجين إلى المساعدة ” فروسيا بذلك تخاطر بإحداث أزمات جوع في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية وهي تستخدم الجوع كسلاح للمطالبة باتباعها”.
وأكدت بيربوك على مواجهة هذا الأمر بالتضامن والمساعدة ودعم النظام الدولي الذي تهاجمه روسيا بضراوة قائلة
“وبهذا نحمي الأرواح البشرية التي تتعمد روسيا تعريضها للخطر”.
وأوضحت بيربوك أن بلادها ستنضم إلى مجموعة العمل التي يقودها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش للتغلب على الأزمة.
وقالت إنه سيتم دعم أوكرانيا على المدى القصير وتقديم مساعدات إنسانية على مستوى العالم، وأضافت أنه سيتم العمل على المدى الطويل على مواجهة أزمة المناخ وموجات الجفاف والعمل في المقام الأول من أجل تحقيق التنمية المستدامة حتى في أفقر الأماكن في العالم.
المصدر الاقتصادية” من الرياض