ثالثة الاثافى
د/ عبد الماجد عبد القادر
عندما كنا تلاميذ فى المرحلة الأولية وفى فترة عقد الخمسينات ‘؛ كانت مناسبة ” الطهور” من المناسبات الكبيرة والتى يدعى لها الناس من كل حدب وصوب فيأتون رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من فج عميق من القرى المجاورة وحتى القرى البعيدة … وكانت مناسبة واحتفالات الطهور تستغرق أسبوعين تتخللها حفلات الأغانى بالدلوكة الصباحية والمسائية …. وقد تصادف أن احتفل أحد أعمامنا “بطهارة” أول أولاده وقام بدعوة ” النسوان” والغنايات من مدينة الدامر حيث كان مقرهن مايعرف”بالأنادى” فى ذلك الوقت وهى مواقع لبيع وتناول المشروبات البلدية والأفرنجية فى ذلك الوقت…
وكان من عادة أهل القرية أن يدفعوا “للغنايات” حاجة اسمها النقطة وهى أموال من الفئات الورقية أو حتى المعدنية يلصقونها على جبهة المغنية والراقصة فى داخل الحلقة..
ويبدو أن أهلنا كانوا قد انبسطوا أربعة وعشرين قيراط من ” النسوان” فى كل الحفلات وألصقوا على جبهاتهن كل ما يملكون من أوارق نقدية … ووضعوا فى جيوبهن كل ماتوفر من عملات معدنية … وبانتهاء أسبوع الاحتفالات سافرت النساء إلى أهلهن … وأصبح الصباح ليجد أهل الحلة أنهم قد أفلسوا تماماً وصارت الجزارة مقفولة لأن الجزار تبرع ” للنسوان” بكل ماعنده ، والخضرجى أفلس وكذلك صاحب الدكان والترزى وبتاع الفول وبتاع العيش … والجميع أفلسوا وذهبت كل ” الكتلة النقدية” المتاحة فى الحلة مع النسوان… وبالطبع توجه الناس نحو منزل العمدة وحكوا له عن نفاد ” الكتلة النقدية” …
وسعادة جدنا العمدة اقترح عليهم أن يلاحقوا ” النسوان الشالن القروش” أو أن يستدينوا من جهة أخرى … ومن جانبه قام بتسليفهم عشرين جنيهًا وزعها عليهم بالتساوى ألى حين إيجاد حل ” لغياب السيولة” …
أها ياجماعة … ما حدث فى حلتنا فى أوائل الخمسنيات من القرن الماضى هو ما تفعله لنا شركات الاتصالات المنتشرة هذه الأيام فى بلادنا…
فشركات اللاتصال تقف فى مقام ” النسوان الشالن القروش” وأهل الحلة يقفون فى مقام المواطنين وجدنا يقف فى مقام “البنك المركزى”.
طيب ياجماعة ناس الاتصالات لديهم معنا أكثر من ثلاثين مليون جهاز تلفون سيار … والمواطن يتحدث فى اليوم فى الحد الأدنى بخمسة آلاف جنيه بالقديم… هذا يعنى أن تكلفة ” الكلام الفارغ” بتاع المواطنين يومياً تعادل مائة وخسمين مليار جنيه بالقديم … يعنى فى الشهر أربعة ترليون وخمسمائة مليار … يعنى فى السنة نحن ندفع لناس الاتصالات اربعة وخمسين ترليون جنية… وطبعاً شركات الاتصالات لا تشترى منا شيئاً ولا تقوم بإرجاع هذه المبالغ فى الدورة النقدية تماماً مثل النسوان الشالن القروش من الحلة… بل الأسوأ من ذلك انها تذهب لتشترى الدولار بهذه السيولة وبهذه الطريقة تكون شركات الاتصال من أكبر الجهات التى تكتنز وتحجز السيولة وتحرم الدورة المصرفية من التدوال … يعنى يمكننا أن نقول للسيد محافظ بنك السودان إن شركات الاتصال هذه هى واحدة من الجهات التى تعرقل انسياب السيولة وتقوم بسحب الكتلة النقدية… وشركات الاتصال ياسيدى المحافظ وباسيدى وزير المالية مثلها مثل “النسوان الشالن القروش” من الحلة فى منتصف القرن الماضى وذهبن بها إلى ” الأنادى” …
وعلى السيد المحافظ أن يفعل مثلما فعل جدنا العمدة إما أن يقوم بتسليف الناس لتحريك دولاب الاقتصاد أو أن يطالب النسوان أقصد الشركات بإرجاع القروش ولو فى شكل ضرائب عالية نوعاً ما.
شاهد أيضاً
نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا
أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …