الخميس , نوفمبر 21 2024
أخبار عاجلة

بين الجيش و السياسة

كتب الجميل الفاضل
قبل (64) عاماً بالضبط لا تزيد و لا تنقص، تولي الفريق أحمد محمد حمد الجعلي منصبه كأول قائد عام سوداني للجيش السوداني، ذلك الجيش الذي كُتب معظم تاريخ السودان الحديث تحت خوذاته، أو بإسمه علي الأقل، في الحرب، و في السلام.
جيشٌ حُكمت البلاد تحت راياته لنصف قرن أو يزيد، تبادل حمل هذه الرايات ثلاثة أو أربعة من كبار قادته، الذين تحالفوا بشكل أو بآخر، مع طيف سياسي و حزبي واسع إمتدّ من أقصي اليسار الي أقصي اليمين، الي درجة يدرك فيها من يرتد من أهل السودان علي آثاره قصصا، دون كبير عناء أن تاريخ هذه البلاد ظلّ دواليك يعيد إنتاج نفسه علي قرار و نحو ما كان، تجري وقائعه، كوضع الحافر علي الحافر.
فالفريق ابراهيم عبود قائد أول إنقلاب سوداني لم يجد ضيراً بعد حين في حبس ذات الوجوه التي وضعت السلطة علي طبق من ذهب بين يديه تسليماً و تسلماً، أو تاييداً ومباركة، في محبس بارد بجبل الرجاف في أقصي الجنوب.
أما جعفر نميري قائد الإنقلاب الثاني فقد فاق سلفه الأول، بإخراجه رفاقه في الانقلاب، و قادة الحزب الذي شارك في الإتيان به، الي خارج الحياة برمتها، لا الي خارج السلطة فحسب، بعد أن ازهق ارواحهم في حملة إعدامات بالجملة لم ينجو منها سوي قليل من قادة حزب كان يعد الاول بين احزاب اليسار في الشرق الاوسط و افريقيا.
لكن يظل التاريخ اذكي في العادة من أن يعيد نفسه علي ذات الصورة و الهيئة و الشاكلة و المنوال، فالتاريخ نهر متدفق لا ينقطع جريانه، و لا تتقطع مياهه، و لذلك ليس ثمة من يستطيع السباحة في ذات مياهه المتجددة مرتين.
فقد بدا لافتا أن مجلس شوري المؤتمر الوطني الذي أفسح طريق التجديد للرئيس المشير البشير الي ولاية ثالثة، قد إستلهم بعضاً من حكمة تلك التجارب، و دروسها في ظني، للخروج دون خسائر أو بأقلها علي الأقل، أو بكسب وقت يكفي لتأجيل مواجهة أقدار عصفت باحزاب أخري في ظروف مشابهه، و رمت بها غير مأسوف عليها علي قارعة ذات الطريق.
فقد نجح شوري الوطني بذكاء كبير في تجاوز المنعطف الأول علي مثل هذا الطريق الوعر، و إستطاع بهذا التصرف الحكيم ان يحافظ علي حظوظ الحزب في الاستمرار بمكوناته الحاليه و لو الي بعض حين، في ظل ما يحيط بالسودان من اوضاع إقليمية و دولية معقدة يصعب معها التعرف علي المآلات المحتملة لتسارع وتيرة الأحداث في المنطقة و الاقليم.
إذ يبدو أن الرئيس البشير الذي قطع بخروج السودان من أزمته الاقتصادية الراهنة تماما في غضون ستة أشهر فقط، لا يتحدث عن فراغ، فالمعطيات الظاهرة ربما تعلق نبرة تفاؤل البشير علي نتائج سلام الجنوب التي يتوقع أن يجني البلدين اولي ثماره في سبتمبر المقبل، فضلاً عن تدفقات مالية خليجية مرتقبة، يتوقع إنسيابها تبعاً لخطوات تحوّل مهمة يقودها السودان قائداً و جيشاً و شعباً علي صعيد الداخل و الخارج في ذات الوقت.
فما أعلنه البشير نهاية الاسبوع الماضي، عن ترتيبات وإجراءات اقتصادية جاهزة للتنفيذ خلال أيام لحل الأزمة الاقتصادية في البلاد بصورة جذرية ونهائية.
اضافة لقوله أمام مجلس شورى حزبه: “خرجنا من أخطر الظروف الاقتصادية الحالية، ورفضنا الضغوط الخارجية من أجل تركيع بلادنا، ورفضنا بيع استقلالنا وكرامتنا بأي ثمن”، كل ذلك يوحي بأن عند البشير ما يثق به من حلول، مفتاح الوصول اليها بطبيعة الحال، هو طبيعة إنتمائه لهذه المؤسسة الإحترافية المحترمة التي تتمتع بصدقية داخلية، و موثوقية خارجية عالية عززتها التجارب .
فالقوات المسلحة التي تحتفلت بعيدها الرابع و الستين غدا الثلاثاء ظلت تلعب أدواراً مفتاحية مهمة في تاريخ السودان، منذ مشاركتها المبكرة في الحرب العالمية الثانية التي جاءت كمقدم صداق قبله المستعمر مهراً لاستقلال السودان، و خدمة لنبل هذا الغرض فقد أبلت “قوة دفاع السودان” بلاءاً حسناً في حروب بعيدة بجزيرة القرم و بانحاء المكسيك، بل و لغلاء سلعة الحرية والإستقلال عند أهل السودان، خلد الجندي السوداني إسمه بأحرف من نار ونور، في سجلات الحروب و تاريخها علي مستوي العالم، من خلال ملاحم خاضها في تلك الحرب الكونية الثانية، لازال يردد مقاطعها الشعراء، و يتغني بكلماتها المغنون، معارك تاريخية لا تنسي، في “كرن” و “العلمين” تلك المعركة التي خسرها الحلفاء تحت لواء أشهر قادتهم علي الإطلاق “مونتغمري”،
بيد أن إسهام “القوات المسلحة” في خدمة مصالح الوطن العليا من خلال “دبلوماسية الحرب و الميدان” لم يتوقف بتقديمها مهر الإستقلال، بل قد كان لمشاركتها في الحروب العربية الإسرائيلية الأولى، وفي صد العدوان الثلاثي على مصر، أثره المباشرفي تعميق علاقات السودان بمحيطه العربي عموماً، فضلاً عن صورة ذهنية زاهية ارتسمت في مخيلة و ذاكرة الشعوب العربية بفضل ضباط من الجيش السوداني و جنود، قدموا نماذجاً سلوكية و إنضباطية عالية ورفيعة، في غضون مشاركتهم ضمن القوات العربية متعددة الجنسيات بدولتي الكويت ولبنان، بل و الي يومنا هذا تظل القوات السودانية قوات نوعية بإمتياز، يتجلي بأسها عند الشدة، و يعلو كعبها اذا ما أشتد اوار الحروب، و ازدادت نيران معاركها ضراماً ، و هكذا تقف الآن صورة الاداء الميداني المتطور يوماً بعد يوم لقواتنا باليمن، خير شاهد و برهان علي عظمة الجندي السوداني و قدرته علي التعامل مع إختلاف الطبيعة و الظروف و كافة المعطيات الاخري في الميدان اليمني.

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

نهر النيل تعلن عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا

أعلنت وزارة الصحة بولاية نهر النيل عن تسجيل حالات اصابة جديدة بوباء الكوليرا وذلك في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا