ثالثة الأثافي
د. عبد الماجد عبد القادر
الرقم 1832 يمثل عدد التجار الذين استطاع ديوان الضرائب أن يعثر عليهم ويفتح ملفات بأسمائهم ممن يعرفون بتجار (الكرين) والمتعاملين في مجال بيع السيارات (وبيع النقود) في منتصف تسعينيات القرن الماضي ولا يعرف حجم عددهم الآن .. وبهدوء شديد تعالوا معنا نناقش ما يعنيه الرقم (1832) من مفاهيم تمس الاقتصاد القومي.. بصورة مباشرة تنخز كالسوس في كيان ضبط الائتمان المصرفي وتداول السيولة بين القطاعات الاقتصادية.
إذا كان عدد التجار المرخص لهم بالعمل في السوق العربي لا يزيد عن ألف تاجر فإن عدد التجار الناشطين في مجال بيع وشراء السيارات سواء أن كان بيعاً حقيقياً أم تمويلاً صورياً يتستر وراء ستار السيارات، هذا الكم الهائل يقترب من ضعف عدد تجار السوق العربي .
الرقم (1832) يعني أن هناك على الأقل دوران سلعي يومي قيمته ما يعادل قيمة (1832) سيارة على اعتبار أن كل تاجر كرين يستطيع بيع أو يشتري سيارة واحدة يومياً. وحتى على افتراض أننا مخطئون فإننا يمكن أن نقدر أن تاجر السيارات يستطيع أن يقوم بمبادلة وشراء سيارة واحدة على الأقل أسبوعياً .
وإذا قدرنا قيمة السيارة في حدود 300 مليون بالقديم (سعر السيارة الجديدة حسب النوع والموديل قد يصل مليار أو أكثر) فإن إجمالي القيمة المتداول أسبوعياً تعادل 300× 1832 = 549.600 (أي حوالي 540 مليار بالقديم ) هذا في الخرطوم وحدها .
وإذا علمنا أن بيع السيارات بهذه الطريقة هو عبارة عن واجهة وهمية لتجارة أخرى هي تسليف الأموال وتوفير السيولة في مقابل هوامش ربح عالية جداً يصير واضحاً أن هذا السوق في حقيقته يمثل بنكاً أو مصرفاً للتمويل دعت إليه الضرورة الملحة من جانب طالبي التمويل وأدت إلي بروزه الظروف الاقتصادية والاجتماعية التالية:
1. عدم كفاية التمويل بالجهاز المصرفي.
2. ملاحقة الجهاز المصرفي للمتعثرين بالسجون مما يضطرهم للجوء للتمويل خارج الجهاز المصرفي.
3. سهولة الحصول على التمويل بسرعة قياسية (لا تزيد عن دقائق معدودة) مقارناً بفترة الدراسة والتصديقات التي يطلبها البنك والتي قد تستغرق شهوراً.
وفي العموم يمكن أن نقول أنه قد تم تأسيس هذا البنك (الكرين بانك) بمؤسسين عددهم 1832 مؤسس ويزيدون كثيراً.
وتوفرت لهذا البنك عوامل البقاء بوجود الحاجة إلي خدماته، ثم نفخ فيه الروح وجعله مارداً مادة من القانون تحرس هذا البنك الربوي تعرف بالمادة (79 ق ج) ومعها يبقى لحين السداد
وعلى الرغم من غياب النظام الأساسي المكتوب واللوائح التي تنظم عمل هذا البنك إلا أن إرث التعامل وثقة المجموعة قد نسجت شبكة الإطار الخارجي للتعامل مع هذا البنك (بالطبع لا يستبعد أن تكون هناك أياد خفية تحرك أجزاء شطرنج (الكرين بانك) ولا يستبعد اللمسات الخارجية نصاً وروحاً وتوجيهاً لإذكاء نيران الربا الظاهر والمستتر عبر وكلاء ومستشارين يحركون الخيوط التي تحرك الدمى في بنك الكرين وبنك الدولار الأسود).
وتضخم الكرين بانك ليكون منظومة من الفروع والنشاطات في مدن السودان وقراه ومناطق الإنتاج الزراعي في القضارف وكسلا ومدني وتمدد في دكاكين الشوارع الجانبية على طرق الأسفلت الرئيسية وعملياً حل محل البنوك في التمويل .
ثم أوجد (الكرين بانك) مراسلين له من المدن الكبرى ومن مدن الدول المجاورة وبعض دول الخليج والقليل من المراسلين في دول أوروبا الغربية، حيث يتلقي التسهيلات التجارية في شكل سيارات يتم استيرادها بالمئات ودلارات بالملايين …. ويقول رجل أعمال معروف أن العاملين في مجال الكرين يصل عددهم إلى أكثر من عشرة آلاف تاجر وسمسار …