الأربعاء , مايو 15 2024
أخبار عاجلة
تاريخ موجز لنشأة وتطور إدارة الغابات في السودان 1
غابات السودان الأشجار

سلسلة تجارب إدارية دروس وعبر الحلقة (3)

بدأت علاقتي بالإعلام الصحفي بمقالة في صحيفة “الأيام” تعقيباً على مقالة لأحد المواطنين انتقد فيها بعض توجهات الهيئة القومية للغابات. صادف أن اطلع على تعقيبي الدكتور عبد الله علي إبراهيم، وعلق عليه في زاويته الراتبة “الذي يصلح” بصحيفة الصحافي الدولي بتاريخ 18 سبتمبر 2001م تحت عنوان “حديث د. عبد العظيم ميرغني الأخضر”، فتعلمت من هذه المقالة الصادرة من أحد أساطين الإعلام في بلادنا الكثير، تعلمت كيف يكون الخطاب الصحفي وشجعني تقريظه لأسلوبي الكتابي على ولوج عالم كتابة المقالات الصحفية. فتطوعت منذ ذلك التاريخ (عام 2001م) بنشر مقالة اسبوعية راتبة، غالبيتها في صحف “الأيام” والسوداني” والأخبار” و”الصيحة”.
تناولت في مقالاتي تلك قضايا الغابات والبيئة وقضايا أخرى متنوعة مصادرها قراءاتي في أحدث ما أصدرته المطابع من كتب فلسفة الدين، وفلسفة العلوم، وكتب التاريخ والتاريخ الطبيعي، وتلك الكتب التي تتناول أحداثاً أو أشخاصاً أو أمكنة معروفة لدي. وقد كنت أستغل أسفاري الخارجية لاقتناء تلك الكتب التي غالباً ما تكون باللغة الإنجليزية. وقد أصبحت لدي من ذلك مكتبة لا بأس بها تجتمع فيها كثير من الكتب النادرة التي لا يمكن الحصول عليها من المكتبات الوطنية. والتي أرجح حالياً أن يكون قد أصابها ما أصاب الخرطوم من حريق.
حرصت على الالتزام بكتابة المقالة الأسبوعية على كل حال، لا أذكر أنني قد انقطعت عن نشرها في موعدها إطلاقاً، حتى عندما كنت طريح مركز السودان للقلب الذي كنت قد نقلت إليه في حالة طارئة. وأذكر وأنني طريح العناية المكثفة استيقظت في منتصف الليل على شبح إنسان يقترب من سريري وما لبث أن دنا مني حتى كاد أن ينكفئ عليَّ، وسألني هل أنت فلان كاتب “قراءات”، وكان هذا هو عنوان زاويتي الراتبة في الصحف.
قد كانت مثل هذه الملاحظات تسعدني كثيرا وتحفزني أكثر على مواصلة الكتابة الصحفية. وقد تمكنت لاحقاً من جمع هذه المقالات ونشرها في 5 كتب، قدم لإحداها البروفيسور علي محمد شمو الخبير الإعلامي المرموق ووزير الإعلام الأسبق ورئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات سابقاً؛ وقدم لآخر البروفيسور يوسف فضل حسن أحد أبرز علماء الدراسات السودانية ومدير جامعة الخرطوم سابقاً. وقدم لثالث صاحب القلم الذهبي الأستاذ الكبير محجوب محمد صالح، وقدم لرابع أبو الغابات الدكتور محجمد كامل شوقي، وقد لآخرهم البروفيسور الموسوعي حسن عثمان عبد النور، ولا زال متبق في حصيلتي من تلك المقالات ما يكفي لنشر عدد مماثل أو أكثر من الكتب. وقد بلغ ريع إحدى تلك الكتب التي نشرتها أكثر من ثلاثمائة ألف جنيه (حوالي 120 ألف دولار حينذاك) خصصتها لصالح إعادة تأهيل المنشآت الصحية والتعليمية بقريتنا الكنوز بالنيل الأبيض.
أعترف أن الإعلام قد خدمني شخصياً وأخلص لي في العطاء. وأعترف أنه قد أتاح لي فرصة الظهور فيه بصفة منتظمة. وأعترف أن كثير من الإعلاميين كانوا يتعاملون معي كزميل مهنة قبل تعاملهم معي بصفتي مسؤولاً حكومياً. وقد ظللت أحتفظ من ناحيتي بعلاقة حسنة مع الإعلام والإعلاميين، وظللت أحرص أشد الحرص على صداقتهم ومحاولة كسب ثقتهم لأجل المهنة والهيئة.
أعتقد أنني قد قمت بخدمة الإعلام إلى أبعد الحدود كما خدمني، إذ أنني أتحت له الحصول على كل ما أراد الحصول عليه من معلومات في مجال عملي، باستثناء ما كانت الضرورة القصوى تقتضي كتمانه. ووفرت له كذلك حتى تلك المعلومات التي سببت لي الأذى شخصياً، فأتحت بذلك للرأي العام الإلمام بمنجزات الدولة في مجالات الغابات والبيئة والموارد الطبيعية الأخرى عبر الهيئة.
أعتقد أن الإعلاممين قد بادلوني ذات ذلك الحرص، ووقفوا معي وقفات مشرفة وساندتني غالبيتهم في أوقات الضيق والشدة. فقد دافعت عني كثير من الصحف ووقفت بجانبي بشهامة ونبل حينما كنت موقوفاً عن العمل في القضية التي سبق التطرق إليه، حتى تلك الصحف التي كنت معها على خلاف في ساحات المحاكم وقفت معي وساندتني. على سبيل المثال لا الحصر، كتب المستشار القانوني لإحدى تلك الصحف مدافعا عني بتاريخ 3 يناير 2006م تحت عنوان “مرافعات” قائلاً: ” ما أكثر المرات التي أحس فيها بـ(الغث من الأشياء).. وأنا أبدأ يومي بهزائم الكورة وجلطات السياسة.. والقضية التي راح ضحيتها على ما يبدو مدير الغابات، والرجل وللأمانة خصم نبيل تقاضينا معه وخسرنا في المحاكم الدنيا والاستئناف.. والقصة التي لم تقلها الصحافة أبداً في زحمة تعاطيها الصاخب للمسألة أن الرجل لم يفعل شيئاً يستحق التأنيب دعك من الإيقاف!!
لكن تبادل الحرص على العلاقة الطيبة بيني وبين الإعلاميين لم يصرفني عن القيام بواجباتي الوظيفية. فإن كنت أغض الطرف وأعفو عن كثير مما يرقى لمسألة الإساءة الشخصية ليّ، فإنني لم أكن أتهاون فيما يمس الهيئة، صغر حجمه أم كبر.
كنت صغر الأمر أم كبر أبادر بالاتصال بالصحيفة ملتمساً التصحيح، فإن استجابت فلله المنة والفضل، أما إذا ما امتنعت خاصة تلك الصحف التي استمرأت استغلال صفحاتها كمعاول في عمليات تصفية الحسابات بالوكالة، وهي قليلة ولله الحمد، فقد كنت أقوم بالتصعيد للقضاء الإداري والجنائي عبر لجنة فض المنازعات بالمجلس القومي للمطبوعات الصحفية، ونيابة الصحافة والمطبوعات أو عبرهما معاً في ذات الوقت.
أذكر على سبيل المثال أن صحيفة نشرت خبراً في سياق موضوع يتعلق بحوافز، ذكرت فيه أن جهة ما تتلقاه من غير حق، وأن من بين تلك الجهات التي تبذل ذلك الحافز لنلك الجهة “هيئة تطوير الغابات”، وبالرغم من أن الخبر لم يسمي الهيئة القومية للغابات، إلا أنني تابعت الصحيفة حتى قامت بالتصحيح مشكورة بتاريخ 27 مارس 2014م.
أذكر كذلك أن أحد رسامي الكاريكاتير كان قد نشر في مايو 2013م كاريكاتيراً في إحدى الصحف يهزأ فيه بالهيئة على خلفية إحدى القضايا التي كانت طرفاً فيها، ولما انتقل هذا “الكاريكاريست” إلى صحيفة أخرى أعاد في أبريل 2014م نشر ذات الكاريكاتير في الصحيفة الجديدة، وقد كانت القضية موضوع الكاريكاتير قد حسمت قبل ذلك الوقت لصالح الهيئة، فما إن اتصلت برئيس تحرير الصحيفة الجديدة حتى اعتذر عن عدم أمانة ومهنية صاحب الكاريكاتير.
كان في العادة أن تبادر الصحف بتصحيح الأوضاع متى ما تبين لها خطأها، وقد حدث ذلك من صحف الأضواء والرأي العام والأحداث والانتباه، التي نرفع لها جميعها القبعات إجلالاً وتقديراً لتحليها بفضيلة الشجاعة والاعتذار حينما تبين لها خطأ بعض محرريها.
أما في حالة تلك الصحف التي كانت تأخذها العزة بالإثم فقد بلغت جملة القضايا التي كسبتها الهيئة في مواجهتها 7 قضايا، منها 3 بأحكام قضائية، و4 بأحكام إدارية.
كانت تلك بعض تجربتي مع الإعلام، التي ضمنتها بتفاصيل، أكثر في مذكراتي الشخصية بعنوان “سنوات في الغابات: سيرة ومسيرة مدير عام سابق للغابات”.
تضرعاتي بحسن الخلاص، وتحياتي.
عبد العظيم ميرغني.

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

تاريخ موجز لنشأة وتطور إدارة الغابات في السودان 1

بين مناسبتين عالميتين

من التعبيرات الشائعة في وصف الفن بأنواعه وأشكاله المختلفة أنه هدية السماء إلى الأرض، هو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا